حسن اليمني
حسناً قُتل بغدادي داعش وقُتل قبله بن لادن القاعدة فما الجديد وما المدهش؟ الصحف ووسائل الإعلام تضج بالأخبار وتسريب ما تيسّر عن عملية القتل، وكنت طيلة الوقت أتهرب من قراءة هذه الأخبار لو لا أن السيد ترامب دخل علي في «تويتر» يلعلع بعنترية الكاوبوي وأنا اجتهد في غض بصري كي لا أرى تغريداته وكل خبر يتعلق بهذا، وقفت أتساءل مع نفسي عن سبب نفوري وعدم قدرتي على تحمل رؤية أي خبر يتعلق بهذا الموضوع، تلفّت حولي ثم فتّشت جيوبي وداهمني خوف أن أكون داعشياً دون أن أدري.
إحدى تغريدات السيد ترامب يقول فيها: لقد كان يصرخ ويبكي - يقصد بغدادي داعش - والحق أنه لم يقل إن المذكور قتل أبناءه وزوجتيه لكنهم قُتِلوا في العملية ويبدو السيد ترامب حزيناً ومشمئزاً من قسوة الإرهابي الجبان الذي لم يهتم بصاحبته وبنيه، قنوات فضائية عربية وقفت على أطراف أصابعها لهول ما حدث وعلى مدار يوم أو يومين، قيل إنه سيتم عرض مقتطفات من العملية ثم نفي الخبر والأمر يبدو جلل، في آخر صفحة من الهلوسة أُعلن أنه تم رمي ما بقي من جسد بغدادي داعش في المحيط بجوار بن لادن القاعدة وتم تكريم الكلب الذي ساهم في العملية الأسطورية، فهمت فيما بعد أن السيد ترامب يدق الطبول للتغطية على نعيق السيدة نانسي بيلوسي.
سعد الحريري يستقيل ويدخل بوسط المتظاهرين ليصبح واحداً منهم وفي كربلاء قبلة «حزب الّلا» يضج شيعة العراق بصوت واحد: إيران برة برة... وقيس سعيّد يذكر العرب بفلسطين والهلال ينهزم من النصر وشائعة مدسوسة بإلغاء مكافأة طلاب الجامعات وعصابات بشار تنسحب من مواجهة قوات شعبه في رأس العين والسيد ترامب يؤكد أن عملية قتل بغدادي داعش كانت ناجحة ولم يتأذى عسكري أمريكي واحد وموسكو لا تملك معلومات موثقة عن أي عملية جرت قرب أنفها في «حميميم» وحفر الباطن تتشبع بالأمطار.
على زمن الراديو كنت ألصقه قرب أذني اليسرى عندما اسدح جسدي على فراش في سطح المنزل تحت السماء ولا أعرف كيف كانت يدي تدير موجاته بحثاً عن أم كلثوم إلا أني أكاد اتفجر من داخلي ومحرك الموجات الإذاعية يعبث في أذني بأخبار الصراع مع العدو الصهيوني - آنذاك - بين محطة وأخرى وكأن الحرب ستقوم بعد قليل وإن أضفت رداءة البث المخلوط بالتشويش والتصفير فتكاد تشعر أن البحار غضبت واكتسحت اليابسة.
بربوغاندا القوة المنتصرة وتابعوها بإحسان الببغاء من المهزومين يكادون يقتلعوا تجويف منخرك من وسط الرأس أسفل المخ المسجون في جمجمة ضيقة تجتهد أن يكون نظيفاً وخالياً من الشوائب والعقد فقط لتنام بهدوء لكنهم أبدا حريصون دوماً على معاشهم الشهري وتذكيرك أنهم لا زالوا يحصون أنفاسك ليرسموا لك الاتجاه والمسار، تقول إنك إنسان فوق الأرض فيقولون إنك مسلم وعربي فوق فوهة بركان، تتلمس ملامح وجهك لتتأكد من أنت فترى أبو فراس الحمداني يقول لنا الصدر دون العالمين أو القبر، لا حول ولا قوة إلا بالله.
إن قيمة الإنسان العربي والمسلم بوجه عام في ميزان العدل والكرامة أرخص من حفّنة تراب بكف غانية متسترة باللباس الداخلي، تدخل القوى الشرسة أوطاننا فتحتل ما تشاء وتقلب نظام الحكم وتحل جيشاً وتنشئ دستوراً وتستولي على آبار نفط كل هذا شرعية دولية طالما أن المفعول به مسلم أو عربي فما قيمة بغدادي داعش قُتل أو لم يُقتل ظهر أو اختفى مات أو عاد باسم جديد، لا أعرف ما هذا الحماس والاهتمام من إعلامنا العربي والإسلامي في الانسياق في تضخيم أفعال هي في الحقيقة من صميم السياسات الداخلية لقوى جعلت ماضينا وواقعنا ومستقبلنا أيضا مزايا تنافسية وفتل عضلات لقهرنا أمام جمهورهم للفوز والكسب بمنصب أو مال أو ضوء شهرة، أكثير علينا أيها السادة شفط «الأرجيلة» - بحشيشه أو بدون - والانسجام بآهات الست؟ للأسف حتى هذا عزّ في سفر الخروج من الهوية والذات إلى التيه وترميم اللات.