د. عبدالرحمن الشلاش
عندما أجد بعض طلابي أو طالباتي في مرحلة الماجستير لا يتقنون أغلب مهارات البحث العلمي، ويمضون وقتًا طويلاً في مرحلة الدراسة وخصوصًا في السنة الأولى من البرنامج كي يتدربوا على تلك المهارات ويتقنوها إلى حد مقبول أدرك أن نظامي التعليم العام والجامعي قد أخفقا في إعداد الطلاب على الأقل في مهارات بسيطة جدًا مثل الاقتباس والتلخيص والتوثيق وصياغة الأهداف والأسئلة وتعريف المصطلحات، أو على الأقل القراءة في الموضوع، وإعداد مقدمة أو كتابة إطار نظري ولو مبسط.
طبعًا لن أتحدث عن مهارات متقدمة ربما لا يتمكن معظم الطلبة منها إلا بنهاية المرحلة مثل اختيار المشكلة البحثية وصياغتها وفرض الفروض واختبارها والتحليل والمقارنة والاستنتاج وطرح الحلول العملية للمشكلة موضوع البحث فهذه مهارات تحتاج لكثير من الممارسة وهذا ما تفتقده الأنظمة التعليمية السابقة بدءًا من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية إذ إن التعليم في غالبه مبني على الحفظ والتلقين والاستظهار مع إهمال مخل لمهارات البحث والتفكير وكأن الطلاب يعدون لالتهام المزيد من وجبات المعرفة الجاهزة التي لا يبذلون في البحث عنها أي جهد ناهيك أن يحولوها لنصوص قابلة للقراءة الناقدة والاستنتاج والتفكير في الحلول وطرح المقترحات العلمية.
نسمع عن تطبيق أساليب التعلم التعاوني وورش العمل والتعلم الذاتي لكن يبدو من الواقع المرير أنها مجرد حبر على ورق، أو مظاهر لزخرفة العملية التعليمية المتضعضعة والهشة. هذه الأساليب والطرق لو طبقت ستؤدي حتمًا إلى تنمية الفكر الناقد والمبدع عند الطلبة، وسيكون بمقدورهم البحث والاطلاع تحت إشراف الهيئة التدريسية، وإخضاع المشكلات للمناقشات والمداولات للتوصل للبدائل ووضع الحلول. أما وضع البحث في مراحل التعليم العام والجامعي فتدعوا للأسف فإما أن ما يقدم من بحوث مستواها ضعيف جدًا وعبارة عن قص ولزق، أو أن الطالب يتوجه لأقرب محل خدمات طلابية لشراء بحث من البحوث الجاهزة لذلك يدفع التعليم بكافة مراحله بمخرجات ضعيفة غير مهيأة للبحث العلمي الذي يعد عمادًا قويًا للدراسات العليا.
الطلبة في الأغلب لا يتحملون كل تبعات ضعفهم وسوء إعدادهم فقد درسوا في إطار نظام تعليمي لا يمنح للبحث القدر الكافي من الاهتمام، والنظام التعليمي نفسه يعمل في إطار نظام كلي يعاني من تقهقر مخيف للبحث العلمي.