م. خالد إبراهيم الحجي
إن أول ظهور ومشاهدة للذكاء الاصطناعي كان في معركة الدرونز (الطائرات المسيرة بدون طيار) التي جرت في فيلم الخيال العلمي الشهير حرب النجوم (ستار وور) عام 1977م. وقد تطورت الدرونز وأصبحت حقيقة واقعية تزداد وتنتشر بسرعة البرق، تستخدم في توصيل طلبات المنازل، وتصوير حركات المرور لمتابعتها، وللأغراض الأمنية في رصد تحركات الإرهابيين على الأرض، وللأغراض العسكرية في رصد مواقع العدو الإستراتيجية لقصفها، والتاكسي المسير الطائر. واحتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول في إنتاج الدرونز المستخدمة في المجالات العسكرية.. واليوم امتدت الأبحاث والتطوير ليشمل جميع مجالات هندسة تعلّم الأجهزة والآلات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته؛ لأنها أشد قوة وأكثر ذكاءً وأفضل جاذبية في جميع الاستخدامات المدنية والعسكرية المختلفة، مثل: الروبوتات بأنواعها المختلفة التي تفوقت فيها اليابان فغطى إنتاجها (65) في المئة من حاجة العالم في عام 2017م، وتطبيقات الهواتف الذكية، وبرامج السوفتوير التي تتعرَّف على لغات الشعوب المختلفة وتُميزها، والتشخيص الطبي.. وبعد أن تطورت وتقدمت شركات التكنولوجيا الأمريكية في مجالات تكنولوجيا المعلومات التي تعتبر البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ونجحت نجاحاً عالمياً فيها، بدأت إجراء أبحاث مستفيضة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العملية، وعلى رأسها شركات البرمجيات العملاقة (جوجل: محرك البحث الأكبر في العالم، ومشغل الهواتف الذكية إندرويد، وفيسبوك: موقع التواصل الاجتماعي، وأمازون: متجر التجزئة عبر الإنترنت، ومايكروسوفت: شركة برمجيات التشغيل وتطبيقاتها الحاسوبية). وجميعها تمثّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي سماها المنتدى الاقتصادي العالمي بالثورة الصناعية الرابعة.. وقد راقبت الصين عن كثب قفزات الولايات المتحدة الأمريكية في طريق التقدم والتطور التكنولوجي فوضعت لها الخطط الإستراتيجية، ورؤوس الأموال الاستثمارية، ودخلت بقوة في سباق تطوير الدرونز مع باقي دول العالم، وتقدمت، وأصبحت أكبر منتج في العالم للدرونز المستخدمة في الخدمات المدنية، ونافست في صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات بشركات صينية عملاقة، مثل: (شركة بايدو: محرك البحث الصيني وأول شركة تحول النصوص المكتوبة إلى كلام منطوق، وشركة على بابا: متجر التجزئة عبر الإنترنت، وشركة تنسنت: المتخصصة في البرمجيات، وكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، وشركة هواوي: أكبر شركة في العالم في مجال الاتصالات) التي أسهمت بنسبة (42) في المئة من إجمالي رؤوس الأموال المستثمرة في هندسة صنع الآلات الذكية خلال عام 2016م. وصعد الاقتصاد الرقمي الصيني (الاقتصاد القائم على تكنولوجيا المعلومات) وارتفع ليمثِّل (30) في المئة لعام 2016م.. ويشهد العالم اليوم سباق للذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهما الدولتان المرشحتان كقوة عظمى في الذكاء الاصطناعي القادم. والدليل على ذلك هو الحرب التجارية الحالية التي شنّتها الولايات المتحدة الأمريكية على الصين، وبدأتها بمنع الشركات الأمريكية من الاستيراد من شركة هواوي الصينية التي تمتلك مجموعة من براءات الاختراع في مجال اتصالات الجيل الخامس بحجة أنها خطر على الأمن القومي.. في الواقع، فإن الحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تغذيها بالكامل المنافسة من أجل السيطرة على مقعد القيادة في مجال الذكاء الاصطناعي. والقضية الأساسية هي أن براعة الصين التكنولوجية المتسارعة ستجعل لها رأياً في السياسات العالمية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ لذلك فإن الصين تسعى جادة لأن تستفيد من توازن القوى الاقتصادية والعسكرية الذي أخذ يتشكَّل شيئًا فشيئًا ليُضيق الفجوة مع القوة العظمى في العالم التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية؛ وترى كل من الدولتين أن هذا التوازن في القوى سيقلب الموازين، ويصبح الذكاء الاصطناعي هو ساحة سباق التسلّح الفعلي التي تحدد مسارات القوى الدولية في النواحي الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية، ويشكل إستراتيجيات الأمن القومي في المستقبل.
الخلاصة:
إن الدول التي ستحقق تقدمًا في سباق الذكاء الاصطناعي ستتبوأ مقاعد الصدارة العالمية في مستقبل البشرية.