د. خيرية السقاف
تهيمن الآن فكرة «الاستثمار» على الأفراد جلّهم، وهي الدافع المغري من أجل التغلّب على صعوبة المعاش، تحديداً بعد تقنين الضرائب، وتكليف الفرد بالشراكة في تكاليف المستَهلك من الغذاء، والماء، والكهرباء، والعلاج، والمواصلات، والاتصالات، والمحروقات، بل الكساء، والدواء، والسكن، ناهيك عن تكاليف التعليم، ومتطلبات الترفيه، والسفر، والطوارئ..
وعمولات البنوك، وأثقال القروض..
جميل أن يستثمر المرء في أفكاره ليخلص إلى تنظيم سلوكه الاستهلاكي لماله بمعرفة، وإدراك، ما يحقق له توفير كامل احتياجاته، ومواجهة ضروراته دون عناء، ولا قلق..
فاستثمار الدخل ولو بالقليل مجدٍ، وربما هو منفذ لراحة العيش، بمعرفة إدارة الدخل..
ومع أن التفكير الاقتصادي معرفة، وعلم بذاته، لا يكتسبه بالتجربة دون الدراسة إلا تاجر بضاعة، أو ناقد عملة، أو وسيط بيع، ويكون ذا باع في شأن المجال قد صهره الوقت الطويل في محكاته..كالبحَّار، والحطَّاب، والنجَّار، والحدَّاد من أسسوا مهنهم!..
لكن عامة الناس يتصرّفون مع دخولهم المالية على غير درس، ولا ضبط، ولا دربة، وربما بلا تفكير، ولا خطط احتياطية، فأكثرهم أمي في التعامل مع المال..
ولأن «المدرسة» لا تقدّم مناهج تواكب حاجة الإنسان حين يواجه الحياة بكل متاحاتها، ومطالبها، ومتغيّراتها، وعلومها، ومجالاتها، وأفكارها، واحتياجاتها، فإن الأمية في كل هذا لا بد أن يقضى عليها فتقدّم المدارس في برامجها ما يفيد الفرد في حياته العامة، والخاصة من الخبرات التي توافق المستجدات، أو تمكِّن من الإضافات..
منذ زمن وعند الحاجة اقترحت أن يوضع منهج في آداب التعامل الذاتي في الشؤون التي تخص فروق الطبيعة في مراحل النمو المتقدِّم، وما يتعلَّق منها بالنظافة، والطهارة، ومعرفة خصائص النمو، وفروقه، وضوابط التعامل الفردي مع الذات، والذوات الأخرى، والوعي بحمايتها، وحفظها..
واليوم أقترح أن يتضمن المنهج الدراسي المناسب لتوعية الجيل بالمعارف الحيوية التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية، ولعل أهمها كيفية التعامل مع المال عصب العصر،
وكيف يغدون مستثمرين صغاراً داخل بيوتهم، وفق دخولهم المالية، وفي حياتهم الخاصة مؤهلين بمعرفة السبل لاتقاء عثرات الحاجة، والوقوع في براثن الديون، أو كباراً ذوي طموحات أوسع تجنباً لبراثن الخسارة، والفشل..
وفي كلتا الحالتين يفيدون أنفسهم، ويكونون على وعي مسبق، وخبرات مبدئية أعضاءً فاعلين في مجتمعهم، مجتمع الاستثمار بكل تفاصيله، ومفاهيمه، وأوجهه، ومستوياته، ومجالاته بما فيها البشرية..