أحمد السليس - «الجزيرة»:
في ضوء رؤية 2030، اتضحت معالم خارطة الطريق التنموية في المملكة العربية السعودية، بما يشمل التركيز على تفعيل دور القطاع الخاص في الارتقاء بمنظومات الأعمال في شتى القطاعات الاقتصادية الرئيسية، دعماً لخطط النمو التحولي التي تهدف إلى الحد من الاعتماد على النفط، وتنويع الموارد الاقتصادية.
وفي هذا اللقاء، يتحدث هشام البهكلي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «جنرال إلكتريك» في المملكة العربية السعودية والبحرين، عن أهم استثمارات الشركة في المملكة، والإنجازات والنجاحات التي حققتها على مدى العقود الثمانية الماضية.
بداية نود أن تحدثونا عن استثمارات «جنرال إلكتريك» في السعودية؟
* تتواجد «جنرال إلكتريك» في المملكة العربية السعودية منذ نحو ثمانين عاماً، ولدينا في المملكة استثمارات دائمة ومستدامة وفي غاية الأهمية. واستثمرت الشركة في منظومة متكاملة لا تقتصر فقط على التصنيع أو التعليم، بل وتشمل أيضاً استثمارات في الأبحاث والتطوير والابتكار وتطوير القدرات الذاتية بالتزامن مع نقل المعرفة والتكنولوجيا وجذب الاستثمارات. ونحرص على التعاون مع مختلف الشركات والمؤسسات والوزارات، إلى جانب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وينصب تركيزنا على إطلاق المبادرات والمشاريع التي تدعم الصادرات من المملكة العربية السعودية إلى الخارج، وتحديداً تصدير منتجات «جنرال إلكتريك» المعقدة في قطاعات الطاقة.
ولدى «جنرال إلكتريك» منشأتان رئيسيتان لتصنيع التوربينات الغازية، تقع أكبرها في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين تقع المنشأة الأصغر في فرنسا. أما المنشأة الثالثة ممثلة بـ «مركز جنرال إلكتريك للصناعة والتكنولوجيا» فقد بنيت داخل المملكة العربية السعودية، وتنافس جميع المنشآت العالمية الأخرى، ولن تقوم فقط بالإنتاج للاستهلاك المحلي، إنما للتصدير إلى الأسواق العالمية أيضاً. ويعتمد المركز على سلسلة إمداد محلية من الموردين السعوديين في أعمال تصنيع مختلف قطع وأجزاء التوربينات، مما يخلق فرص عمل مثمرة للمواطنين السعوديين.
ما هي أهم القطاعات بالنسبة لعملياتكم في المملكة؟
* يعتبر قطاع الطاقة من أهم القطاعات بالنسبة لشركة «جنرال إلكتريك» التي تساهم تقنياتها في توليد 60 % من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في المملكة العربية السعودية. ولدينا في المملكة أكثر من 600 توربين غازي، تتراوح استطاعتها بين 20 وأكثر من 100 ميجاواط، مما يجعل من قاعدة تقنيات ومنتجات «جنرال إلكتريك» في المملكة من أكبر القواعد في العالم. ولدينا ورشة عمل متخصصة بصيانة التوربينات الغازية هي الأولى من نوعها خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وتستخدم نفس التقنيات المبتكرة في عملياتها، وتصدر خدماتها ومنتجاتها إلى أكثر من 70 عميلاً في نحو 40 دولة. وفي الوقت ذاته، نحرص على تدريب الشباب السعودي في مواقع العمل، إضافة إلى الشابات السعوديات اللواتي لا يتوانين عن العمل في أصعب الظروف لاكتساب الخبرات والمعارف الضرورية في هذا المجال، وهو أمر نفتخر به. ويتنقل موظفونا من المملكة حول العالم، فمنهم من عمل في أوروبا وباكستان وروسيا وأفريقيا والكثير غيرها من الدول، ليمثلوا «جنرال إلكتريك»، والكثير منهم سعوديون لا يمثلون شركتهم فقط ولكن يمثلون المملكة كذلك وما بها من خبرات ومواهب وكوادر متميزة. ويعتبر بناء الطاقات الشابة لذلك من أهم أولوياتنا، ونحن فخورون بالنتائج التي تحققت على هذا الصعيد حتى اليوم.
بعد ثمانين سنة من العمليات في السعودية، ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها «جنرال إلكتريك» حتى اليوم؟
* التقت الشركة بالعديد من المسؤولين، وتحدثنا عن النجاح الذي حققته الشركة خلال ثمانين سنة، إذ لا يمر عقد من الزمن إلا وتسجل فيه «جنرال إلكتريك» إنجازات جديدة في المملكة العربية السعودية. ويشمل ذلك عدة مجالات، بما في ذلك مشاريع تطوير كهرباء مكة بالأربعينيات وأكبر خط أنابيب بالخمسينيات وكهرباء الرياض بالستينيات ومنشآتنا الصناعية بالسبعينيات وقطاع الطيران بالثمانينيات والقطاع الصحي وكبرى محطات الكهرباء بالتسعينيات وتوليد الماء والكهرباء المزدوج مع إمداد معظم الطائرات المدنية بمحركاتنا بالألفية وأخيراً الإعلان عن استثمارات تفوق عن مليار دولار بالسنوات الماضية في جميع القطاعات. وتحرص «جنرال إلكتريك» على أن تكون عملياتها في كل مرحلة متوافقة مع توجهات المملكة واحتياجاتها، ومنسجمة في المضمون والأهداف مع رؤى وتوجيهات قيادتنا الرشيدة.
بالعودة إلى الماضي، كيف بدأت استثمارات «جنرال إلكتريك» في المملكة؟
* يعود حضور «جنرال إلكتريك» فـي السعودية إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما قامت بتزويد المعدات والآلات لأول مشاريع التنقيب عن النفط.
أما بالنسبة للاستثمارات، فقد بدأت مع إنشاء «جنرال إلكتريك» أول مركز لصيانة التوربينات الغازية داخل المملكة عام 1974، في وقت لم يكن فيه استخدام هذه التقنيات واسع النطاق كما هو الحال اليوم، حيث كانت الشركة رائدة في تصنيع التوربينات منذ مطلع القرن العشرين، وقامت باستخدامها في القطارات، ومن ثم الطائرات، قبل أن تصبح عنصراً رئيسياً في منظومة الطاقة. وتم افتتاح المركز في المدينة الصناعية الأولى، وبدأت «جنرال إلكتريك» بتوظيف الشباب السعودي في هذا المركز الذي واصل تطوره وتوسعه قبل نقله إلى المدينة الصناعية الثانية في الدمام تحت مسمّى «مركز جنرال إلكتريك للصناعة والتكنولوجيا»، أكبر مراكز صيانة التوربينات الغازية خارج الولايات المتحدة. وفي عام 1990، قامت «جنرال إلكتريك» ببناء منشأة لتصنيع قطع التوربينات الغازية، وهو من الاستثمارات الهامة في قطاع الطاقة. وكل ما سبق هو امتداد للحضور الراسخ الذي تتمتع به «جنرال إلكتريك» في المملكة العربية السعودية على مدى عقود من الزمن، وهو ما أثمر عن المنشآت والمصانع المتطورة التي نراها اليوم، والشراكات الوثيقة مع أهم اللاعبين من القطاعين العام والخاص على حد سواء.
مع قرب حلول عام 2020، ما هي خططكم المستقبلية في المملكة العربية السعودية؟
* نتعاون مع وزارة الصحة لتعزيز التحول الرقمي في القطاع الطبي. وقمنا مؤخراً بزيارة وزارة الصناعة و»مدن» للعمل على رقمنة المصانع، لتحسين كفاءتها، ولدينا في المملكة المنشآت الحديثة، والشباب المؤهل، لتحقيق إنجازات جديدة في هذا المجال.
وفي قطاع الطيران، نتعاون في صيانة المحركات مع «شركة الشرق الأوسط لمحركات الطائرات المحدودة»، والذي احتفل مؤخراً بإنجاز توضيب محركات بالكامل بأيد سعودية وبترخيص من جنرال إلكتريك، مما يشكل إنجازاً كبيراً بحد ذاته. ويبقى التركيز موجهاً في المرحلة المقبلة على التحول الرقمي، وتطوير إمكانات كوادرنا في هذا المجال لبناء جيل جديد من القادة في هذا القطاع.
لا شك بأن قطاع الطاقة في المملكة يواجه الكثير من التحديات. ما هو دور «جنرال إلكتريك» في توفير حلول فعالة لمواجهة هذه التحديات؟
* تختلف التحديات بين شركة وأخرى، فهنالك شركات تحتاج إلى الأراضي على سبيل المثال، وأخرى تتطلع لإعفاءات من الضرائب. وقد يكون لدى معظم شركات الطاقة اليوم مشآتها التصنيعية الخاصة بها بالمملكة، وهذا يدل على أهمية المراكز والمصانع التي نقوم بإنشائها لتعزيز العمليات الصناعية المحلية. ومع إطلاق هذه المنشآت، عمدت «جنرال إلكتريك» إلى إغلاق مراكز مماثلة لها، ليكون التركيز موجهاً على المملكة العربية السعودية، نظراً لموقعها الحيوي وأهميتها الاستراتيجية. وكما ذكرت سابقاً، فإن التحديات مختلفة من شركة لأخرى، وبالنسبة لنا في «جنرال إلكتريك»، فإنه تحظى شركتنا بدعم كبير نثمّنه من الهيئة العامة للاستثمار.
ومن ناحية أخرى، فإن بعض التحديات لها علاقة بأوضاع السوق العالمية، إذ يمر قطاع الطاقة على سبيل المثال بفترات ركود، فكثير من الدول قد لا تحتاج لبناء محطات توليد جديدة، مما يؤدي إلى تباطؤ في أعمال مصانع هذا القطاع.
ما هي أبرز القطاعات الجديدة التي تستهدفها «جنرال إلكتريك» في المملكة؟
* لطالما أبدت «جنرال إلكتريك» التزاماً راسخاً تجاه المملكة العربية السعودية منذ إطلاق عملياتنا قبل أكثر من ثمانين عاماً. وفي المرحلة الراهنة، يهمنا مواكبة أعمالنا لأهداف رؤية 2030 بما يشمل مختلف القطاعات، في إطار الهدف الأساسي الرامي إلى تحقيق النمو التحولي المنشود.
ويجب على الشركات دعم أهداف رؤية 2030، بما في ذلك التطوير الرقمي، والصناعي، والرعاية الصحية. وفي الوقت ذاته، ينبثق عن هذه الرؤية السبّاقة العديد من المشاريع العملاقة التي تشارك فيها «جنرال إلكتريك» بحسب منتجاتها وخدماتها. وعلى سبيل المثال، نشارك في مشروع «نيوم» وفق اختصاصات وحدات أعمالنا، التي تتضمن الرعاية الصحية والطاقة النظيفة وتحديداً طاقة الرياح والتحول الرقمي وشبكات الكهرباء الذكية.
كيف تنظر إلى مستقبل المملكة العربية السعودية تحت مظلة رؤية 2030؟
* جاء إطلاق رؤية 2030 في وقت مثالي بالفعل لضبط وتحديد العديد من العوامل التي تصب في مصلحة الوطن وسكان المملكة بشكل خاص. وكل من يتابع مؤشرات أداء الرؤية، وهو ما تحرص «جنرال إلكتريك» كشركة عالمية على متابعته، سيدرك أهميتها. ومؤخراً، جرى تدشين المركز الوطني للتنافسية بحضور رئيس البنك الدولي حول التنافسية الاقتصادية، وجاءت المملكة العربية السعودية في المركز الأول من حيث حجم التغيير، وقفزت 30 مرتبة لتصبح في مصاف الدول الأكثر سهولة لإنشاء الأعمال. ولم يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، بل تطلب الكثير من العمل والتخطيط، وهو ما يبدو جلياً في رؤية 2030 التي أرسى ملامحها سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود. وبناءً على خارطة الطريق هذه، باشرت الوزارات العمل كلاً في مجال تخصصه لتحقيق هذه الأهداف الطموحة، مع التركيز بشكل خاص على ترسيخ مكانة المملكة كبيئة حاضنة وداعمة لنمو مختلف قطاعات الأعمال. وأؤكد اليوم أن الأهداف التي وضعتها رؤية 2030، والخطط الجاري تطبيقها لتحقيق هذه الأهداف، تستحق بالفعل تحية تعظيم وتقدير. وقد قامت جنرال إلكتريك مؤخراً بدعوة 40 تنفيذياً من جميع وحدات أعمال «جنرال إلكتريك» في العالم للتعرف على رؤية 2030 والاطلاع عليها عن قرب، حيث قاموا بزيارات إلى بعض الوزارات وإلى شركات مثل «أرامكو» و«السعودية للكهرباء»، وكان هدفنا من إحضارهم هو اطلاعهم على الرؤية وبرامج التحول الوطني والنمو المشرّف الذي تحققه المملكة في المجالات كافة.
ما هي التخصصات التي تتمنى أن يركز عليها قطاع التعليم العالي والمهني لضمان توفير فرص عمل مثمرة للشبان والشابات في المملكة؟
* بناءً على تجربتي الشخصية، فإن قطاع الهندسة ما زال واعداً ولا ينضب. كذلك يجب التركيز أيضاً على قطاعات حيوية أخرى، ومن ذلك قطاع الرعاية الصحية فيما يخص بناء الكوادر الفنية القادرة على تشغيل وإدارة المعدات الطبية المعقدة الضرورية لتقديم أفضل خدمات العناية بالمرضى، ونحن اليوم بحاجة إلى آلاف الكوادر السعودية المتخصصة بهذا المجال.
وتبرز أيضاً أهمية بناء كوادر فنية في قطاع الطيران، والحاجة إلى قاعدة من الشباب السعودي والشابات السعوديات للعمل في المصانع المستقبلية، مما يبين أهمية التعليم المهني كعنصر جذب رئيسي لاستقطاب الشباب وتحويلهم إلى مصنّعين من الطراز الأول. ويحظى شبابنا بالكثير من فرص التطوير والتدريب والتمكين انطلاقاً من رؤية 2030 التي تولي هذا المحور أولوية قصوى، سواء عبر المؤسسات الحكومية والأكاديمية، أو الشركات الخاصة مثل «جنرال إلكتريك» التي قامت بتدريب الآلاف من شباب وشابات المملكة في المجالات الصناعية والتقنية والصحية والرقمية في منشآتها. وبذلك، نوفر لهم فرصاً هامة تضمن لهم الانطلاق في مسيرة مهنية ناجحة ومثمرة.