محمد سليمان العنقري
صدرت قبل أيام موافقة مجلس الوزراء الموقر على نظام الجامعات الجديد، الذي اشتمل على جوانب عديدة تعد نقلة مهمة لمنظومة التعليم الجامعي وآلية عمل الجامعات بعد عقود من النظام الحالي، وصحيح أن النظام الجديد سيأخذ وقتاً ليبدأ تطبيقه ويصبح نافذاً حسب الأنظمة المتبعة، لكن إقرار التدرج بتطبيقه على ثلاث جامعات سيتم اختيارها لاحقاً، يعد أمراً ايجابياً لأنه يسهل من اكتشاف أي احتياج لتطويره، وكذلك يعطي الفرصة لبقية الجامعات لكي تستعد لتطبيقه.
إلا أن ما يلفت النظر بالنظام الجديد هو التوسع بوضع الممكنات لرفع إيرادات الجامعات وإعطائها صلاحيات عديدة بذلك، سواء من خلال الاستفادة من الأراضي بحرم الجامعات كوقف، والذي يعد مصدراً مهماً لدخل الجامعات عالمياً، ويمثل بكثير منها حوالي 35 % من إيراداتها، بالإضافة إلى الرسوم الدراسية على برامج الدبلومات والدراسات العليا وكل الطرق التي تستقطب فيها طلاب ببرامج تعليم متنوعة مع التذكير «أن الدراسة ستبقى للطلاب المواطنين النظاميين مجانية مع استمرار صرف المكافآت الشهرية وفق نظامها الحالي حسب ما أكدت
وزارة التعليم بعد صدور النظام»، كما يحق للجامعات إنشاء شركات أو المساهمة بها، وكذلك الاستفادة من سوق الاستشارات الضخم بالمملكة والذي تخطى بالمتوسط حاجز العشرة مليارات ريال سنوياً، نصيب الجامعات حالياً منه لا يتعدى 10 %، مما يمثل فرصة كبيرة للمنافسة بهذا السوق الذي تستحوذ على جل إيراداته شركات استشارات أجنبية، بالإضافة إلى السماح لها بالتوسع بمراكز الأبحاث لتكون رافداً مالياً مهماً لها، وأيضاً يعظم من خبرات كوادرها من أعضاء هيئة التدريس الذين لم يتم الاستفادة منهم كما هو قائم في الدول المتقدمة، فكثير من العلاجات والأبحاث الطبية والهندسية عالمياً التي تحوّلت إلى إنجازات وغيّرت من العالم، ظهرت من مراكز أبحاث بالجامعات، فالاعتمادات المالية التي تحصل عليها الجامعات -حالياً- من الدولة، وتغطي نفقاتها بات اسمها إعانة بالنظام الجديد، ويعني ذلك أنها ستستمر بتغطية نفقات الجامعات، ولكن مع ارتفاع إيراداتها فإن الإعانة يفترض أنها ستغطي الفرق بين النفقات والإيرادات لكل جامعة حكومية، وفي جانب آخر ذي أهمية فإن الصلاحيات التي منحها النظام للجامعات ستسمح لها بأن تكون متماشية مع احتياجات الاقتصاد الوطني من التخصصات التي يطلبها سوق العمل، حيث تستطيع الجامعات التوسع بتخصصات أو العكس حسب حاجة سوق العمل، بالإضافة إلى مواكبة تطور العلوم والتكنولوجيا التي ستلغي الكثير من الوظائف مستقبلاً، ويتولد مكانها وظائف بتخصصات عصرية مختلفة عمّا هو قائم، خصوصاً مع التطور بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة والتغير الكبير بالاقتصاد العالمي، كما أن السماح للجامعات الأجنبية بافتتاح فروع لها بالمملكة، وكذلك السماح للجامعات الوطنية بافتتاح فروع لها بالخارج، يعد جسراً ثقافياً بالاتجاهين يربط المملكة مع العالم بخلاف الروافد الاقتصادية.
الجامعات منشآت تعليمية واقتصادية أيضاً، وتنعكس خدماتها على المجتمع بطرق عديدة، ومما لاشك فيه أن الوصول لأفضل الممارسات عالمياً بأنظمة الجامعات، سيتطلب وقتاً ليس بالقصير، ولكن هذا النظام يمثل خطوة أولى نحو ذلك بما حصلت عليه من استقلالية منضبطة، وانتقال مهم نحو صناعة التعليم العالي وأيضاً عامل أساسي لرفع كفاءة الإنفاق على أكبر قطاع تنموي يستحوذ على نصيب الأسد من الموازنة العامة، ويبقى الدور على الجامعات نفسها بأن تستعد للمستقبل وفق المنظومة الجديدة التي ستجعلها أكثر ارتباطاً بالاقتصاد، سواء برفع مواردها أو بعلاقتها بسوق العمل.