عبدالوهاب الفايز
مشروع العدادات الذكية يحمل الكثير من المكاسب للأطراف في منظومة الطاقة، وللناس. أكثر الإيجابيات في تصوري هي للناس التي سوف تدخل حقبة جديدة للتفاعل مع التقنية بشكل يومي يتجاوز فاتورة الكهرباء. التطبيق الذكي سوف يجعلنا ننتقل إلى مفهوم (كفاءة إدارة الموارد) في أمور حياتنا اليومية، وتأتي الكهرباء في قائمة الأولويات بعد المدخلات التقنية الجديدة في حياتنا التي وسعت الطلب عليها.
إدخال العداد الذكي سوف يمكن المستهلكين من دفع الفاتورة مسبقاً، ويتيح مراقبة جودة الخدمة، ومراقبة الاستهلاك والتحكم فيه، (النظام يحدث كل 5 دقائق)، ويتيح توقع تكلفة الفاتورة، ويتيح لنا معرفة (التكلفة المتغيرة)، وهذا جوهري في الخدمة، إذ يساعد في استخدام الطاقة في خارج الذروة بتكلفة أقل، مثلاً: تخصيص المساء لتشغيل السخانات ومكائن الغسيل والطرمبات التي تستهلك أكثر.
ويتيح لنا الدفع وإرجاع الخدمة بسرعة بدون الاتصال بالشركة، ويتيح لنا إيقاف الخدمة في حالة السفر أو تقليلها، ومراقبة السلامة للأجهزة.. وغيرها مما تتيحه تطبيقات الذكاء الصناعي الذي سوف تجد الأرضية للإبداع والتطوير.
بالنسبة للأجهزة الرقابية سيتيح لها المشروع مراقبة الجودة والعدالة في الأسعار، ومراقبة العبث بالعدادات، ومراقبة سرعة تقديم الخدمة للمستهلك.
المحتوى المحلي لهذا المشروع الضخم سوف يتحقق في استفادة الصناعة المحلية من تطوير وتصنيع وتجميع مكونات هذه العدادات في الداخل، والمستهدف تغييره في سنتين يتجاوز 10 ملايين عداد، وهذا سوف يوفر فرصاً واسعة للصناعة المحلية. وكما جاء في المؤتمر فإن أكثر من 35 % من العدد الإجمالي سيتم تصنيعه في المملكة أي أكثر من 3.5 مليون عداد. وهذا العدد جاء بسبب الطاقة الإنتاجية للمصانع المحلية، وهو ما يعني أنها إذا كانت قادرة على تصنيع أكثر من ذلك فإنها ستقوم بتنفيذها. وإذا أضفنا إلى ذلك فرص التوطين وفرص العمل، فإننا أمام مشروع نوعي من النواحي كافة.
شركة الكهرباء -وهي كما نعرف شركة حكومية مساهمة تصب أغلب أرباحها في الخزينة العامة- سوف تجني ثماراً عديدة لتطبيق العداد الذكي، منها تقليل تكلفة التشغيل في قطاع التسويق، كما أن حلول العدادات الذكية سوف يوفر الوقت لقيادات الشركة لتتجه إلى التفرغ للتطوير والإبداع في استثمار قطاع الكهرباء، فالثورة الرقمية تتداخل منتجاتها مع هذا القطاع بشكل قوي.
سوف يوفر لها قاعدة بيانات ضخمة عن الاستهلاك، وسلوك الناس ونمط تعاملهم مع الطاقة، وهذا منجم استثماري للدراسات والابحاث وتسويق المنتجات. ومثل هذه التطبيقات الذكية ربما تدفع شركات الكهرباء لتتحول بقوة إلى (الاستثمار في المحتوى)، كما تفعل شركات الاتصالات، وكما فعلت أمازون.
بالنسبة للمستثمرين، هذا التطور سوف يحدث نقله في مستقبل صناعة الكهرباء، بالذات في مجال خفض الفاقد في الشبكة، فخفض 1 % من الفاقد سوف يؤدي إلى توفير 500 مليون ريال، وهذا مبلغ كبير جدًا، يمكن أن يستوعب التكاليف الضرورية لتبديل العدادات.
أيضاً هذه النقلة المهمة لرفع كفاءة استخدام الطاقة، كما ذكر الأمير عبدالعزيز بن سلمان، سوف تساهم في خفض استهلاك البترول محليا بما قد يصل إلى 2 مليون برميل مكافئ يومياً في السنوات القادمة، وهنا أقتبس من كلمة سموه ما نصه (أسهمت الإجراءات التي تم اتخاذها في تخفيض كثافة الطاقة المستهلكة في المملكة بنسبة 8 %، وأن وصول قطاع الكهرباء إلى مزيج الطاقة المُحسن، المستخدم في توليد الطاقة والذي تستهدفه رؤية المملكة 2030 بالإضافة إلى تحسين كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة، ستؤدي مجتمعة إلى خفض حجم استهلاك الطاقة محلياً بما يعادل حوالي مليوني برميل بترول مكافئ).
وهنا يتحقق ما نتطلع إليه وهو: بناء السلوك الواعي للاستخدام الأمثل الرشيد لثرواتنا الطبيعية، وهذا -في رأيي- الهدف الأسمى يتجاوز رغبة التوفير في التكلفة. السلوك الحضاري للمواطن الصالح هو الأهم.