علي الخزيم
انتابني الخجل والحرج من مشهد لا علاقة لي به غير أني فرد من مجتمعنا الطيب المتماسك بفضل الله؛ المتمسك بالفضائل والسجايا الحميدة، لذلك لم يكن ما رأيته منظراً اعتيادياً عابراً، بل بالصف الأول بصلاة الفجر حيث اصطف بجانبي رجل تعدى مرحلة الشباب مقبلٌ على الكهولة يرتدي سروالاً (بنطال) مقصوصاً من حد الركبة؛ وتبدو - ما شاء الله - سيقانه المكتنزة الضخمة بمشهد لا يسر الناظرين ولا يوحي بإدراك صاحبهما لقواعد الذوق العام، فكيف بمن يقف أمام الله وبين عباده بتلك الساعة الروحانية المباركة، ولم أجد تفسيراً لحالته إلا إحسان الظَّن بأنه ربما ينوي التوجُّه لممشى الحي بعد الصلاة، وهذا - إن صدق حدسي - لا يُبرر تهاونه بجلال الموقف، ونَسْفِه لقواعد الآداب العامة.
فهْم الحريات الشخصية فهماً معكوساً يبرهن على أن صاحب هذا التخريج ضحل التفكير، مارق عن إطار التربية الأسرية والمجتمعية بما يعتريه من جموح عقلي غير منضبط، يفهم الحرية بأنها خروج على الآداب والعرف الاجتماعي بما يقدح بالمروءة، وبما يحلو له من تفاسير شاذة، وهل يجرؤ أن يدخل إلى مقر عمله بتلك الملابس وذاك المظهر؟! سيقول: هذا عيب؛ وانتقاص لقيمة المدير والزملاء! فهنا يقال له: فالله أحق بالإجلال وبيته أحق بالتنزيه، وجماعة المسجد نحسبهم - وعلمهم عند الله - بذاك الوقت هم خيرة أهل الحي من الرجال، أفلا يستحقون التقدير، وبهذا الموقف أو دونه: أفلا تملك قليلاً من الحياء من الله والناس؟
تشاهد هذه العينات والحالات ممن يمثلون مفاهيم الذوق العام بأوقات ومواقع كثيرة مختلفة، بالمطار والطائرة والمطعم والمدرسة والجامعة والملعب الكروي والشارع العام والمتنزهات وأماكن الاحتفالات والتجمعات الترفيهية، وما يبدو أكثر إزعاجاً أن يظهر المخالف للذوق العام متقمصاً دور الظريف المرح الكوميدي كما يُخَيَّل له، ويشجعه على ذلك ضحكات من بعض مرافقيه ممن لا يقلُّون عنه سذاجة وصفاقة، ويحسبون أنهم بأفعالهم يُضْحِكون من يشاهدهم ولا يعلمون أنهم يمقتون تصرفهم ويترفعون عن الدخول معهم بجدال ونقاش لأن الكتاب يعرف من عنوانه، فيتركونهم للجهة المخولة بتأديبهم إن وجدت.
هذه العينات الساذجة على قلتها تعكر أجواء الفرح والمرح، وتقدم صورة مشوشة غير حقيقية عن مجتمعنا أمام الضيوف والزوار، وتقلل من حجم الجهود المبذولة لإظهارنا بالصور الأجمل والأرقى بين مجتمعات العالم، لا سيما إذا كانت تُمارِس ما يخالف الذوق السليم داخل التجمعات وبمحيط المناسبات والاحتفالات التي تضم وفوداً وسياحاً قدموا ليروا من نكون وكيف كنا من خلال تاريخنا وآثارنا ونتاجنا الفكري والعلمي ورصيدنا التراثي، فتقابلهم حالات من تلك الشاكلة ممن لا يُثَمِّنون ويُقدرون سلبيات أفعالهم وتصرفاتهم المخالفة، فلا يعقل أن يحضر مثل أولئك تجمعاً احتفالياً يقدم خلاله عدد من المهرجين فقرات مرحة فيقوم المخالف بإسقاط بعضهم أمام المتفرجين عمداً، أو أن يكسر ويمزق أحدهم ملصقات وصوراً لأنها لا توافق هواه، أو يُصور أحدهم الآخرين دون إذنهم بحالاتهم الخاصة، فمن عظمة الإسلام أنه يتمم مكارم الأخلاق.