محمد آل الشيخ
أهم ما أشارت إليه تظاهرات لبنان وبقوة هو أن (الثقة) شرط الضرورة الذي لا يمكن الاستغناء عنه في معادلة (العقد الاجتماعي) التي اكتشفها الفليسوف الفرنسي جان جاك روسو بين الحاكم والمحكومين. اللبنانيون بالمختصر المفيد بجميع طوائفهم وأحزابهم لا يثقون في وعود سياسييهم الذين انتخبوهم، فأولئك الساسة - في نظرهم - يغدقون في مرحلة استقطاب الأصوات على الجماهير بالوعود، وهم يبيتون من البداية أنهم بعدما ينالون أصواتهم سيتخلون عنهم وعما يعدونهم به، فما أن يصوتوا لهم تنتهي وعودهم إلى النكوص، والتخلي عن أغلب هذه الوعود، لأن النائب تصبح له بعد الفوز بالمقعد الذي ينافس عليه أولويات ومساومات أخرى، ليس بالضرورة أن تكون تلك الوعود التي قطعها على نفسه أثناء حملاته الانتخابية من ضمنها. ويبدو أن هذه المعادلة أصبحت في لبنان بشكل خاص هي أقصر الطرق للوصول إلى الكرسي، ليس غريبًا أن أغلبية قادة دول العالم العربي التي تتدعي الديمقراطية يتنصلون عن وعودهم، ويختلقون من المبررات والأسباب ما يدفع بهم للتخلي عن مواقفهم، لأن وعوده تلك يطلقها وهو يعقد العزم منذ البداية أنه لن يضطر أن يفي بها إذا (تضاربت) مع مصالحه، وأهم تلك المصالح الثراء غير المشروع. ولأن ديمقراطية لبنان ترتكز على الطائفة التي تأتي أولاً قبل الكفاءة، تصبح هي المعول عليها، بالشكل والمضمون الذي يلغي تساوي الفرص في المجتمع، الذي هو أساس الوطنية والعدالة الاجتماعية. لذلك يمكن القول وبعلمية إن شرط الديمقراطية الأول إلغاء الطائفية، لأنها إذا اجتمعت بالوطنية فإن أحدهما سينسف الآخر ويلغيه؛ إضافة إلى أن الطائفية بمنزلة (الثقب) الذي يتسلل منه أعداء الوطن، وبسببها يستطيع الأجنبي أن يُجند الأتباع، ويتحكم في قرارات الوطن واستقلاله وسيادته؛ وأقرب دليل على صوابية ما أقول إن إيران لأسباب مذهبية أصبحت الآمر والناهي في لبنان والعراق، وطالما أن (الطائفية) لها أولوية كانتماء تعلو على الانتماء الوطني، فإن الوطن عمليًا بلد محتل، لا يملك قراره، وليس لديه الأهلية للبحث عن مصالحه والعمل على تحقيقها.
لبنان والعراق لن يتحررا من سلطة ملالي إيران إلا أن تكون أولوياتهم في مسيرتهم الداخلية ليست الحرب على الفساد فحسب، وإنما (اجتثاث) الاحتلال الإيراني الذي يعلم يقينًا أن الفساد هو أهم (مسوغات) السيطرة على البلد، وهم - أي الإيرانيين - يعلنون أن الفساد هو السبب الأول الذي يُمهد لهم السبل للتحكم بالعراق ولبنان واحتلالهما وتعيين القيادات، بالشكل الذي يخدم مصالحهم.
وأنا متيقن أن انتفاضتي لبنان والعراق إذا أصر عليها الشعبان اللبناني والعراقي فإنها كفيلة بقلب الطاولة على عملاء إيران، وخصوصًا أن الإيرانيين تكالبت عليهم الظروف من كل حدب وصوب، ونحن نمر بفرصة تاريخية لا تعوض لتحرير لبنان والعراق كذلك من الاحتلال الفارسي البغيض، ولا سيما أن هذه الانتفاضات واتساع رقعتها، من شأنها أن تجعل خيارات إيران، رغم قوتهم العسكرية في غاية الضيق والمحدودية.
إيران من الداخل في منتهى الضعف، وأهلها يراقبون عن كثب ما يجري في العراق ولبنان، و(عدوى) الثورات لا تعترف بالحدود الجغرافية.
إلى اللقاء