عبده الأسمري
نسمع كثيرًا عن القيم والمبادئ ونسمع بمستوى أقل شيوعًا منها عن الأخلاق تلك المنظومة الإنسانية والبشرية التي تقوم عليها «أسس» الحياة و»أصول» العيش..
نهدر من أيامنا ساعات طويلة في الحديث والكلام وفي الاستقبال والإرسال في موضوع معين ونمضي عمرًا ونحن في دوائر المثيرات والاستجابات بين أقوال وأفعال ووسط معاملات وتعاملات..
لو تمعنا في ساعات حياتنا وربطناها ما بين السلوك والأخلاق ووضعنا ميزانًا عادلاً يقيس مستويات الأخلاق لدينا بكل شفافية لوجدنا أننا في حالة من الجمود أو الخذلان قياسًا بما يمكن استثماره من أخلاقنا في مواجهة العوائق ومجابهة المشكلات ومنازلة الابتلاءات ولعلمنا يقينًا أن «الأخلاق» أدوات متاحة بأيدينا للخروج من متاهات «الجدال» مع الآخرين والسمو بالأنفس إلى سطوح «الأمان» والرقي بالأرواح إلى منصات «الفخر»..
تعترض «الشخصية» الإنسانية عديد من الاختبارات التي ترتهن إلى ثبات «النفس» في مقابلة «التغيرات» وإثبات السلوك في متابعة «المتغيرات» حتى تظل في «منطقة الطمأنينة» بين قطبي عواطف الذات وعواصف الآخرين.
الحياة «أكاديمية» فيها عديد من المناهج البعض متاح ويخرج في هيئة مواقف ووقفات والآخر يحتاج بحثًا لإخضاع النفس لمحطات متقلبة من التجارب حتى يصل الإنسان من خلالها إلى «الاجتياز» و»الإنجاز» أو يسقط في «الوجل» و»الفشل».
الأخلاق غنيمة «بشرية» ومغنم «إِنساني» ورصيد لا ينتهي من العطاء والسخاء تعكس الانتماء الحقيقي للإنسانية وتبلور النماء الواقعي للبشرية وبدونها تتهاوى «القيم» إلى جرف هاوٍ وتهوي «المبادئ» إلى منحدر سحيق..
الأخلاق المعاني الساطعة بالإحسان المشعة بالمحاسن اليانعة بثمار «الصفاء» وحصاد «السخاء» هي تلك المنظومة التي تنطلق من أعماق البراءة إلى آفاق السواء وتعلو بالحسنى إلى مصاف «الارتقاء» وتسمو بالأنفس إلى بياض «النقاء»..
الأخلاق هي «الرصيد المستديم» من البقاء في ذاكرة «الخير» والسداد المستدام من المضي في طريق «النفع» لذا فإن أرباح الاستثمار فيها «مضمونة» والغنى من خلالها «مؤكد» والنتائج عبر بواباتها «مذهلة» تلامس أرقام لا تستطيع «القدرة الذاتية» أن تحصيها لتبقى «حصيلتها» المضاعفة في موازين الآخرة وفوائدها المتعاقبة في ميادين «الدنيا».
تنمو الأخلاق وتتبارك وتتسامى عبر مراحل العمر تخضع لتربية أولية وتربى في كنف «التطبيق» وتتزايد في بوادر «التعامل» وتثبت في محكات «المواجهة»
ترتسم الأخلاق في السلوك وتثبت في التصرف وتلألأ في الحكمة وتضيء في الصبر وتسطع في البلاء وتفوز في الحوار وتنتصر في النقاش وتسمو في الظلم وتبرز في الحرمان لتكون الهدية الربانية التي تملأ قلب صاحبها بالعرفان والامتنان وتجعله يعيش في ساحات «التسامح» ومساحات «التصالح» نقيًا تقيًا بروح بيضاء خالية من الشوائب مطهرة من الأحقاد مسجوعة بالنبل مكتملة بالفضل.
الحياة جملة من الصراعات والتجارب.. يسير الإنسان فيها عبر طرق واضحة ويدخل من خلالها إلى متاهات مبهمة وقد يتوقف في مسارات محيرة.. فتأتي الأخلاق كتوليفة عجيبة مدهشة تساعده في السير ببوصلة «اليقين» إلى حيث «الفلاح» وتسنده في إضاءة العتمة بحكمة «الصلاح» وتحركه في تعنت «الحيرة» بنور «البصيرة».
بحسن الأخلاق نعلو منازل الحسنى في توظيف السمو الديني وبها نضع عوازل الرقي في تطبيق التغافل الذاتي ماضين إلى حيث قرار «الرفعة» واستقرار «الرضا»..
نصيحتي الدائمة المستديمة أن نضع الأخلاق على رأس الأولويات وعلى هرم الاهتمامات في منازلة «المحن» واستنزال «الهمم» وصولاً إلى القمم في دروب تضيئها «القيم» حتى نظفر بمقامات «العلو» واستقامات» العلياء» في الدنيا والآخرة.
أرى أنه آن الأوان أن تكون لدينا ندوات وملتقيات وورش عمل وقطاعات مختصة بالأخلاق ومسابقات معنية بالقيم وأنظمة تعنى بتوظيف حسن الخلق وتطبيق فعلي لغنائم الإحسان ومغانم المعروف وأن يكون لدينا في مجتمعنا «معاني» تشجع على المثالية الأخلاقية وتكرم «البارعين» في مواقف الوفاء وأن نربي في أجيالنا منهجية الارتقاء بالتعامل وأن تكون لدينا مناهج تعليمية حول الأخلاق حتى نصل إلى المبتغى والمرتجى في صناعة «غد سديد مجيد» في السلوكيات والمسالك.