رجاء العتيبي
للمفكر محمد شحرور قراءة لطيفة لمعنى (قرية) في القرآن الكريم، يقول: إن القرى أناس تحكمهم بالضرورة قوة شمولية/ أيدلوجية، لهذا مآلها إلى الهلاك، لقوله تعالى: {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (58) سورة الإسراء.
على اعتبار أن القرية (مجتمع آحادي) فهو إلى فناء، أما مجتمع المدينة (مجتمع متعدد) مجتمع متطور ومتغير ومتجدد ومتنوع فلا تجري عليه سنة الهلاك، وتفصيل ذلك في كتابه (هلاك القرى وازدهار المدن).
هذه القراءة يمكن أن نستعين بها في فهم (حزب الله) و(الملالي) و(الحوثي) الذين حولوا مجتمعاتهم إلى مجتمع آحادي لا قول إلا قولهم ولا دين إلا دينهم ولا رأي إلا رأيهم، المجتمع كله يجب أن ينقاد لهم شكلاً وموضوعاً، وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع الفطرة البشرية التي تألف التعدد والتطور والتجدد وتنفر من الانقياد إلى أقلية أيدلوجية تسومهم سوء العذاب، تريد من كل المجتمع أن يكون تحت عباءتها ومن يفكر بالخروج منها يقتل بأعذار شتى.
ويزداد الأمر سوءا عندما يستغل الدين للسيطرة على الشعوب كما يفعل الملالي بإيران والعراق ولبنان والحوثة، حروب بالوكالة وامتيازات دينية ودنيوية لا تعطى إلا لنخبة الطائفة.
لا يعلم الملالي أن إيران التي كانت من أرقى دول العالم ومدنية، باتت قرية معرضة للهلاك، وأن العراق الذي كان يوماً مشعل حضارة بات قرية غير قابلة للعيش البشري، وأن لبنان الذي يشع مدنية وتقدماً أصبح قرية مفككة تتقاسمها الأحزاب، أما اليمن السعيد فبات من أتعس الأمم.
فمهما حاول الحزبيون تحويل مجتمعاتهم إلى مجتمعات آحادية، فمصيرهم إلى هلاك وفقاً للسنة الكونية، وإن نجح الحزبي في بضع سنين فرض فيهن وصايته على مجتمعه أو على مجتمعات أخرى، فإن مصيره حسب الكتاب المسطور هلاكاً أو عذاباً قبل يوم القيامة.
فبعد أربعين سنة من تحويل الملالي: إيران إلى قرية قابلة للهلاك، وتسيير العراق ولبنان واليمن إلى ذات الاتجاه، انتفض المجتمع العراقي واللبناني في وجه إيران وحزب الله رفضاً للرأي الآحادي وكشفاً للفساد، ربما نعدها محاولة لدرء الهلاك عنها وإعادتها إلى مجتمعات مدنية لا أحزاب ولا طائفية، مجتمعات متعددة يقبل كل منها الآخر، إذا نجحت الانتفاضة فإن تلك المجتمعات تكون قد درأت عن نفسها الخطر.
اليمن ما زال جزأه الشمالي يئن تحت قدم الحوثي، ما زال يرضخ تحت آلته العسكرية وجبروته ودكتاتوريته، ولكن الحكومة الشرعية بدعم من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية تسعى جاهدة لخلاص اليمن وإعادته مجتمعاً يمنياً متعدداً قابلاً للعيش، وهي مهمة نبيلة لا يفهمها الشخص الآحادي الذي لم يقرأ سنن الكون كما أوجدها الله.