د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
لا شيء يفقد الإنسان مكانته أكثر من البطالة، ولا شيء يحفظ للإنسان مكانته مثلما أن يكون له عمل يشعره باحترامه لنفسه واحترام مجتمعه له ويؤمن له بناء أسرة، ومصدر رزق كريم ودائم له ولأبنائه. فالبطالة وبال على المجتمعات ومصدر كل ما هو شر وخطر فيها. ولذا تضع جميع الدول مكافحة البطالة على أولى أولويات تخطيطها الاقتصادي. وكثير من البلدان في العالم تفتقر للموارد لخلق الوظائف ومع ذلك تسعى جاهدة لجلب الاستثمارات من الخارج بهدف أساس هو توظيف أبنائها. وتنص جميع الأنظمة في العالم ومنها نظام الخدمة المدنية في المملكة على أن الوظيفة العامة حق لكل مواطن.
وقد تفاقمت مشكلة البطالة في المملكة العربية السعودية في العقود القليلة الماضية بشكل تسبب في قلق الجهات الرسمية لما لهذه المشكلة من أخطار أمنية واجتماعية على المملكة بالرغم من أن البعض لا يرى أي مبرر لوجود مثل هذه البطالة في بلادنا، أولاً، لأن المملكة تعد من الدول ذات الدخل المرتفع نسبة إلى عدد السكان؛ وثانياً، لأنه يوجد في المملكة ما يعادل عدد سكانها العاملين تقريباً من الوافدين بعدد يفوق بأضعاف عدد العاطلين فيها.
وتبذل الحكومة جهداً كبيراً لحل هذه المشكلة، ويرأس وزارة العمل شاب مشهود له بالكفاءة الإدارية والاقتصادية والنزاهة، وله تاريخ طويل في خدمة بلاده في قطاعات مختلفة، ورغم ذلك تظل هذه المعضلة مكان جذب وشد بين أطرافها المختلفة. والحقيقة وللأسف أن بعض رجال الأعمال يوظف الأجنبي عن رغبة داخلية وأسباب هامشية ويفضله على السعودي، وإذا وظف السعودي طفف له الراتب وكال له في المسئوليات بهدف تطفيشه ودفعه لترك العمل.
وضعت الدولة رسومًا للعمالة الأجنبية فنقلها رجال الأعمال على الكلفة النهائية وأصبح السعودي يدفع مع البطالة رسوم العامل الأجنبي بشكل غير مباشر. واليوم نسمع أنه يمكن الاستعاضة عن نسبة السعودة إذا ما دفع رجل الأعمال الرسوم مقابل إلغائها، رسوم بلا وظائف. والموضوع هنا ليس موضوع رسوم تتقاضاها الوزارة عن عدم توظيف السعودي حتى ولو ذهب جزء من الرسوم لتدريب السعوديين وتأهيلهم، فكثير من المؤهلين الباحثين عن عمل هم أفضل وأكثر تأهيلاً ممن يشغل وظائفهم من الوافدين.
وقد غيرت الجامعات أنظمتها، وموادها الدراسية «لتلائم مخرجاتها ما يعتقد أنه حاجة القطاع الخاص» ومع ذلك فهناك بطالة بمؤهلات علمية خرجت خصيصًا للقطاع الخاص، فأصبح لدينا عاطلون كثر من خريجي المعاهد المهنية، والمهندسين، والأطباء، ومختصي الحاسب الآلي والإدارة، أي عاطلين مؤهلين بدلاً من العاطلين غير المؤهلين، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. ولا بد من السعي لتقليص نسبة البطالة لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وما تمر به البلاد من طفرة تنموية قد لا تسنح مرة أخرى.
فيمكننا أولاً، أن نسعى ككافة الدول الأخرى بما فيها عرَّاب الاقتصاد الحر أمريكا، لاستحداث وظائف جديدة، وإعادة تنظيم الوظائف الموجودة حالياً بحيث تذهب الوظيفة لمستحقها جدارة وليس لأسباب أخرى. أي أنه يجب تطوير نظام الخدمة المدنية بشكل يتيح استبدال بعض ممن يستأثرون بميزات بعض الوظائف ولا يقدمون عملاً، كالمستشارين وأعضاء مجالس الإدارة بموظفين حقيقيين هم في أمس الحاجة لها. وأن يوقف أسلوب التحايل على الوظيفة الحكومية بما يسمى «بالأوت سورسنق»، أي التعاقد مع جهة خارجية.
ثانياً، ومع تفهم تذمر بعض رجال الأعمال من تقليص فرص الاستقدام لهم، يمكن للدولة أن تفرض ضرائب عامة على الشركات التي تستقدم عمالة كبيرة من الخارج، وتعفي تلك التي توظف سعوديين منها، لأن الشركات ذات الاستقدام الكثيف تضيف عبئاً على الخدمات العامة، ماء، طرق، كهرباء الخ. أكثر من غيرها. كما يمكن أن تطبق معايير أكثر صرامة على هذه الشركات فيما يتعلق بحقوق المستفيدين من خدماتها من أجل تحقيق المنافسة العادلة.
ثالثاً، نظرة عامة على الشركات الأكثر توظيفاً للسعوديين في المملكة، والأكثر نجاحاً أيضاً، نجد أنها الشركات والمؤسسات التي هي شراكة بين الدولة والمواطنين كسابك، والكهرباء، وتحلية المياه وأرامكو... إلخ. ويمكن توجيه دعم الدولة لإنشاء مثل هذه الشركات والمؤسسات لأنها ببساطة الأكثر ملائمة لتجربتنا الاقتصادية، ولأن القطاع الخاص لدينا فشل في تجربة توطين الوظائف أو الاستغناء عن العمالة الأجنبية، أو الشريك الأجنبي، ولا سيما أن الكثير من مؤسسات القطاع الخاص لدينا هي امتداد لمؤسسات خارجية، أي شراكة أجنبية محلية.