نازك العابد بيهم بطلة مناضلة، وفارسة مكافحة، ومواطنة صالحة، حياتها مليئة بكل معجب ومغرب ومدهش، سارت على دروبها الطويلة والشاقة والعسيرة، وتنقلت في أرض الله الفسيحة المعمورة، وحطت -ركائبها في بيروت العامرة- حرسها الله.
هي من عائلة عريقة في العمل السياسي والقومي، ترجم لها الأستاذ (محمد التونجي) في كتابه (معجم أعلام النساء) ترجمة مسهبة حافلة مرتبة ومتسلسلة فقال: هي نازك بنت مصطفى العابد من أعيان دمشق، تولى أبوها محافظة الكرك وولاية الموصل أيام العثمانيين، وأمها الفاضلة فريدة الجلاد، وكان نسيبها (محمد علي العابد) أول رئيس للجمهورية السورية في عهد الانتداب الفرنسي، ولدت نازك في دمشق أيام السلطان العثماني، فكانت فتاة جدية تمثل في خصالها روح العروبة التي ترفض الحكم العثماني، وكانت تحب الانزواء والمطالعة وهي في الموصل، وترفض سطوة المعلمات العثمانيات، فأخرجت من المدرسة ونفي والدها إلى أزمير، فدرست هناك في مدرسة (الفردوس) الأمريكية، ثم عاد مع أسرتها في أعقاب الحرب العالمية وقد أتقنت لغات عدة، كما كانت بارعة بالتصوير.
دعت نازك إلى تعليم البنات، وتحريرهن من الجهل والتقاليد البالية، فاستجاب لدعوتها عدد من السيدات، فأسست مدرسة (نور الفيحاء) وجمعية ومجلة، ثم تعلمت الإسعاف والتمريض، ودخلت المستشفى العسكري للمشاركة في المواساة والتخفيف من الجراح، واتجهت نحو الجهاد الوطني تطالب بالحرية والاستقلال، وأخذت نازك تكتب في الصحف والمجلات منذ بدء الحكم الفيصلي الذي أسعدها، وكانت مجلتها (نور الفيحاء) المحطة الكبرى للدعوى إلى التطور، وهي أول من دعا إلى حق المرأة بالانتخاب، فحازت ثقة فيصل، وأمر بمنحها رتبة عسكرية فخرية، كما عهد إلى إنشاء مستشفى للجرحى، فأسست جمعية للمواساة اسمتها (النجمة الحمراء)، وأصيبت بصدمة نفسية بدخول جيوش الاحتلال وطرد فيصل، شاركت الثوار حربهم وأسعفت جرحاهم، ووقفت مع البطل يوسف العظمة وشهدت استشهاده، فراحت تدعو شعبها سراً وجهراً للحرب، فأغلقت حكومة الانتداب مجلتها ومدرستها، ورحلت إلى الأردن تحث الملك عبدالله على مناصرة قوات أخيه فيصل، ورحلت إلى أوروبا وأمريكا تدعو لحرية وطنها، فسميت (جاندارك العرب)، وتزوجها في بيروت (محمد جميل بيهم) حباً بوطنيتها.
وكان لنازك العابد بيهم، الفضل بإنشاء جمعية (تأمين العمل اللاجئين الفلسطينيين)، وقد أصبحت هذه الجمعية فيما بعد مؤسسة ثابتة لها ومواردها التي تجمع عن طريق التبرعات، وكذلك أصبحت تضم ميتمًا لبنات الشهداء ومدرسة لتعليمهن العلوم الابتدائية والخياطة والتطريز والآلة الكاتبة، وناد أدبي ومكتبة.
شاركت في المؤتمرات النسائية الدولية، إلا أن أجمل الذكريات تلك التي منحت فيها رتبة رئيس (نقيب) شرف في الجيش العربي السوري في عهد الملك فيصل تقديراً لخدماتها الإنسانية والوطنية ونضالها.
وفي العام 1957م أسست مع بعض السيدات من صديقاتها لجنة للأمهات تعمل على رفع مستوى الأم اللبنانية في مجالات الحية كافة، وتتبنى عيد الأم الذي حددت تاريخه الجامعة العربية في 21 آذار من كل عام وهو بداية فصل الربيع، وسبب الانتفاضة التي اندلعت في لبنان تصديًا للمشاريع الأمريكية في المنطقة.
وفي عام 1959م انتخبت نازك العابد بيهم رئيسة لها وقد أقيمت بهذه المناسبة أول عيد للأم يجري في لبنان على صعيد وطني، وفي عام 1960م ودعت نازك العابد بيهم وبقي اسمها خالدًا تردده الأمهات على مدى العصور.
... ... ...
مصادر الترجمة:
ـ معجم أعلام النساء (ص172 - 173).
ـ أعلام النساء (5/ 320 - 321)
ـ تراجم النساء ص(444).
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
عنوان التواصل ص.ب 54753 الرياض11524
hanan.alsaif@hotmail.com