عبدالعزيز السماري
لا يمكن إغفال حقيقة أن العالم يتغيَّر في اتجاه ثقافة السلم، فالتاريخ خلال العقود الماضية لم يسجّل حروباً للدمار الشامل مثلما ما حدث في الحرب العالمية الثانية، ولا يعني ذلك عدم حدوث جرائم إنسانية في حق الشعوب مثلما حدث في سوريا، لكنها في طريقها للزوال، والدليل عدم انتصار العنف وأعوانه في المعركة، فالمستقبل للحرية والسلام في سوريا.
لذلك أحياناً لا أفهم منطق أولئك الذين يعتقدون أن العنف وسيلة مجدية، وما تفعله بعض الجبهات الدينية المتطرفة هو انتحار لعقول أدمنت القتل والتصفية، وهي في طريقها إلى الزوال، فوسيلة فرض الآراء والأفكار على العقول ولَّى عصرها، والإنسان الآن يتطرف في حريته وإطلاق خياراته، وتلك أزمة أخرى.
نعيش في نهاية عصر الشعارات، فالاقتصاد لم يعد حكراً على الأقلية، لكن تجاوزها ليكون خياراً أعلى للجميع، ويعني زيادة نسبة الطبقة المتوسطة، وتوفير حقوق العيش والتعليم والصحة للجميع، ولم يعد جداراً واقياً لذهنية العنف، فثقافة السلم أقوى بكثير من السلاح والقتل، وتبحث عن اقتصاد يخدم الجميع بلا استثناء.
هناك تحول فلسفي في مفهوم الدولة، والتي لم تعد رمزاً للعنف كما كان في الماضي، ولكن جداراً واقياً لثقافة السلام، ومن أجل أن يتحقق ذلك على الجميع التخلي عن وسيلة العنف من أجل فرض رأي أو أيدولوجية معينة، والشرق العربي يقاوم الآن محاولة إيرانية لفرض أيدولوجيتها المتطرفة على الجميع.
تعلّمت الشعوب الدرس من أوسع أبوابه، فالدولة الدينية التي كانت تبشّر بالجنة للشعوب اتضح أنها مؤدلجة بالعنف المباشر وغير المباشر، كذلك توصلت الجماهير إلى قناعة مؤكدة، وهي أن حكم العسكر والأقليات لا يؤدي إلى ثقافة السلم، ولذلك أصبح الجميع يطالبون بمدنية السلطة وحق المساواة في مجتمعاتهم.
السلم أقوى بكثير من العنف، والدليل ثورات السودان ولبنان والعراق مقابل ما يحدث في سوريا، فالعنف لا يولّد إلا عنفاً، بينما في السلم حياة للجميع، فاحترام الإنسان وحقه في الحياة الكريمة مبدأ لا يتجزأ، أو ينقسم على عوامل مثل الطائفة أو العرق.
العامل الأكثر تأثيراً في المرحلة هو المعرفة، فسبل التواصل الاجتماعي، وسرعة التوصل إلى المعلومة والحقيقة المعرفية أصبحت في متناول الجميع، مما أخرج الأيدولوجيات والشعارات من أهدافها المبطنة، فلا يستطيع نصف متعلّم أن يهوي بالمجتمع إلى الهلاك والدمار، كما حدث في إيران 1979 ميلادي، ومن أجل أن نفهم هذا المسار علينا أن نعي تجربة العراق الأخيرة.
ما يجري في العراق ليس انتصاراً لطائفة ضد أخرى أو لعرق ضد آخر، لكن هو انتصار للوعي الإنساني الحديث، وتلك الرغبة في الخروج من التبعية والعنف والشعارات إلى حقيقة السلم الاجتماعي والشفافية والمدنية، وإذا نجحوا في ذلك ستكون نقطة مضيئة في تاريخ الثقافة العربية، وسيصنع العراق تاريخه ومجده بسبب هذا التحول، ولهذا لم تعد العقول تقبل تبريرات العنف والقتل، فالسلم والأمن الاجتماعي ينتصران في الشرق العربي.