عبد الله باخشوين
** سأكتفي هنا بالنقل عن أحد رموز ثقافتنا السعودية المعاصرة.. المرحوم الأستاذ الكبير عابد خزندار من كتاب (مستقبل الشعر موت الشعر) الصادر عن دار المكتب المصري الحديث.. في عام 1997م
إنني سبق أن نقلت إشارات عن هذه القضية لآخرين في طرح سابق.. غير أن ما أثار دهشتي هو عدم الانتباه لأطروحات هذا الكاتب الكبير.. وأعيد شذرات منها بعد نحو 22 عاماً من صدور الكتاب.
** ص (8):-
(الحديث عن مستقبل شيء ما لا بد أن يعني أن لهذا الشيء وظيفة يؤديها في الحاضر، وسيظل ينهض بها في المستقبل، وإلا فإن بقاءه واستمراره سينتهيان. وتأسيساً على هذا فإننا إذا أردنا أن نجيب عن السؤال المطروح (هل للشعر مستقبل؟) فإنه يتعين علينا أن نتعرف على وظيفة الشعر ونحددها. وهذا قد يقودنا إلى أن ننفى فكرة الفن للفن أو الشعر للشعر، وأن الشعر غاية في ذاته).
** ص (9):-
(كانت -وما زالت- للشعر وظيفة أو وظائف أخرى غير الجمال، وأن الجمال مجرد وسيلة لا غاية. وهذا يستتبع أن الشعر سيبقى، أن هناك وظيفة (غير الجمال) يؤديها. ونحن إذا استعرضنا تاريخ الشعر نجد أن هذا القول في ظاهره صحيح. في البدايات (أي في العصر الجاهلي) كان الشاعر وزير إعلام القبيلة.
أو الميديا بلغة هذه الأيام).
** ص (12):-
(قد يقال إن للشعر وظائف أخرى إلى جانب وظيفته الإعلامية، وهذا أيضاً في ظاهره صحيح، فالشعر العربي على الجملة كان شعر مديح، خاصة عند شعرائه العظام كأبي تمام والمتنبي، وهذا المدح في الأغلب الأعم كذب ونفاق رخيص (…) وهذا يعني أن للشعر وظيفة أخرى غير المدح، وهي وظيفة لا بد أن تكون جمالية، وإلا أسقطنا هذا الشعر من حياتنا (…) ما الذي يجعل الشعر جميلاً؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه).
** ص (18):-
(ما الذى يجعل الشعر جميلاً؟
(…) الشعر صناعة، وهذا ما قرره النقاد العرب ابتداء -فيما أعرف- من الجمحي (…) ولكنها صناعة تتفاعل معها النفس، فإذا أردنا أن نبحث جماليات الشعر، فيجب أن نتعرف عليها من خلال اكتشاف أسرار الصناعة، والوصول إلى قرارة النفس (…)، وإذا أردنا أن نضيف شيئاً إليه فلا يبقى أمامنا إلا استيحاء روح العصر وإضفاءها على ما قالوه).
** ص (23):-
(وموت الشعر، هو نتيجة لاختفاء الزمن، وبالتالي نهاية التاريخ، لأن التاريخ زمني، ونهاية التاريخ ليس تعبيراً مجازياً بل دلالي أو إشاري، لأن المقصود هنا أنه لن يبقى ما يمكن أن نؤرخ له (…) لأن ما بعد الحداثة بمفهومها العام تعني إلغاء الزمن ونهاية التاريخ، وبالتالي نهاية الشعر. وهذا القول ليس مجازياً لأننا نشهد الآن نتيجة لسيطرة الميديا والثقافة الجماعية تقويضاً لجماليات الشعر التقليدية، وحلول جماليات جماعية محلها، وهذا يرجع بنا إلى السؤال الذي طرحناه منذ البداية ولم نجب عنه حتى الآن وهو: (ما الذي يجعل الشعر جميلاً؟) لأنه من خلالها نستطيع أن ننتهي إلى مفهوم نهاية الشعر.
ما هو الشعر (…) إن الشعر كلام موزون مقفى فهل هذا هو الذي يجعل الشعر جميلاً؟ إذا اقتصرنا على هذا التعريف فهذا يعني أن نعتبر أبياتاً من هذا القبيل شعراً أيضاً:
الليل ليل والنهار نهار
والديك ديك والحمار حمار
أو من قبيل الآتي:
كأننا والماء من حولنا
قوم جلوس حولهم ماء
إلى آخر هذا الهذر المنظوم المقفى الذي لا يمكن أن نعتبره شعراً. (…) أكتفي بالقول إن (الملكة الأدبية) هي التي تحدد لنا موطن الجمال في الشعر).
** ص (31):-
(عندما نقرر أن الحداثة هي نهاية كل شيء وأنها تلغي ما قبلها وأنها الغاية فسنجد أن الأمر ليس كذلك، وأن ثمة ما بعد الحداثة، وثمة أيضاً ما بعد الحداثة لأن الكلمة تبدأ ولا تنتهي كصيرورة لا تتوقف عند شيء ولا تتحد معه، أنها حرة، أنها الدال الذي لا يختفي حتى بعد أن يشير إلى الشيء ولهذا يظل هناك ما بعد البعد).
** سأتوقف هنا والعودة للكتاب ممتعة وثرية، وقد حركني حبي الكبير لهذا الأستاذ الكبير فهو من القلائل الذين تعلمت منهم الكثير.. وأفضل الأثر هو ذاك الذي يبقى فيك بعد رحيل صاحبه.
إنه يذكرني بأبي الذي فقدته مرتين مرة كأب.. ومرة كصديق لا تقدر صداقته بثمن.