أحمد صالح الدغاري
اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي يضاف إلى رصيد المملكة العربية السعودية وسجلها في تحقيق النجاحات المتتالية وكفاءة سياستها الخارجية في إدارة الصراعات في المنطقة من خلال لعب دور إيجابي في رأب الصدع ولم الشمل، وجهودها الأخيرة من أجل نجاح الحوار وتحقيق اتفاق الرياض أصبح موضع احترام وإشادة من قبل كل الأطراف بدون استثناء.
لقد نجحت المملكة في إعادة رسم الخارطة بصورة جذرية ووضع الأسس لمسار جديد يركز على الأهداف الاستراتيجية عوضاً عن الضياع في متاهة الحسابات الصغيرة والتكتيكات العبثية. ويبدو أن بعض المكونات السياسية قد اعترفت ضمنياً بفقدانها للرؤية ودخولها في طريق بلا معالم واضحة في خضم الحسابات السياسية المتناقضة والمصالح المتباينة، على الرغم من أن هذه القوى ما تزال بحاجة إلى امتلاك شجاعة الاعتراف وإلى ممارسة المراجعة الذاتية الشاملة والصادقة.
واتفاق الرياض بصفة عامة اتفاق إيجابي، وهذا ليس بالمستغرب طالما حظي برعاية المملكة.. وإذا حاولنا تناول الاتفاق بإيجابية، فأهم ما فيه هو أنه يوحد الجهود تحت قيادة التحالف العربي لإنهاء الانقلاب الحوثي ومواجهة وكلاء إيران، وكذلك مواجهة الإرهاب. وبذلك يعاد تشكيل الرؤية الاستراتيجية وتوجيه الجهود في الاتجاه الصحيح، والعمل مع التحالف العربي من أجل استكمال تحرير ما تبقى من أراضِ لا تزال تخضع لسيطرة الحوثيين.
كما أن قيادتي الطرفين قد نجحتا هذه المرة في عدم الانزلاق إلى مستنقع السب والشتم وتبادل الاتهامات والتعرض لرموز كل طرف، فلم أسمع -أنا على الأقل- أن تعرض أحد من قيادات الصف الأول للرئيس عبد ربه منصور هادي على سبيل المثال والعكس صحيح.. وهذا ربما يعكس إدراك الطرفين بأهمية هذه النقلة السياسية وخطورة المرحلة، بفضل الدور الإيجابي للأشقاء وحرصهم على توفير المناخ الإيجابي ووقف الحملات الإعلامية غير المسؤولة.
الرئيس عبد ربه منصور هادي هو العامل المشترك بين الفرقاء السياسيين المنطوين تحت عباءة التحالف العربي، وهو مظلة يستظل تحتها ظلالها الجميع لما له من رمزية سياسية مهمة، وكان اعتراف قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي برمزيته وعدم الإساءة إليه خطوة تحسب لصالح المجلس. وما يثير الاستغراب أن هناك العديد من الإعلاميين الذين يصنفون أنفسهم في دائرة الحكومة قد وقعوا في خطأ الإساءة إلى الرئيس هادي، وهو ما يعده التحالف بقيادة المملكة إساءة إليه وإلى جهوده في اليمن، وربما فهمه البعض على أنه مؤشر على ضعف الثقة.
سيتضمن الحوار القيام بخطوات تصحح الأخطاء على المستوى الإداري وإدارة الموارد والإيرادات ومكافحة الفساد ورفد الأجهزة الإدارية بدماء جديدة وغيرها من الخطوات التصحيحية إن جاز التعبير.
وفيما يتعلق بالقضية الجنوبية، فمن الحكمة أن يتم طرحها بأرقى الطرق وأفضل الأساليب ومن خلال الحوار والعمل السياسي، ومن المهم تحقيق السلام في الجنوب بدلاً من استمرار الصراع إلى أجل غير مسمى خصوصاً أن الانقلابيين الحوثيين لا يزالون يهيمنون على صنعاء وجزء كبير من الجغرافيا اليمنية، مما يزيد المخاطر والتهديدات على الأمن الإقليمي.
إن اتفاق الرياض يعتبر خارطة الطريق الجديدة لإعادة توجيه البوصلة إلى المسار الصحيح، وعلى الجميع تنفيذ بنوده بدون تملص أو تلكؤ، والتعامل مع جميع البنود كمنظومة واحدة وليست مجزأة خصوصاً فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية، فطالما عانت السياحة السياسية من بروز مشاكل ومعوقات وعراقيل في مرحلة التنفيذ، وهو ما قادنا في اليمن إلى ما وصلنا إليه من تعقيد وحروب مدمرة.