محمد آل الشيخ
في تقديري أن مقتل أبي بكر البغدادي أسدل الستار على حقبة إرهاب داعش، التي كانت الحركة الأشرس والأكثر فجوراً ودموية بين جميع الحركات المتأسلمة التي عرفها التاريخ على الإطلاق، مثلما انتهى أو كاد تنظيم القاعدة الإرهابي بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن. ولا يعني كلامي هنا أن ظاهرة الإرهاب برمتها قد انتهت تماماً من الوجود، فالإرهاب منذ الخوارج وحتى الدواعش سيبقى له جيوب هنا أو هناك، لأن الإرهاب المتأسلم منذ أن ظهر في القرن الهجري الأول وهو في حقيقته ظاهرة إنسانية اجتماعية، تُعبِّر عن خلل وانحرافات نفسية تحكي عن نفسها من خلال توظيف الدين كأيديولوجيا، والإرهاب المتأسلم هوى تماماً مثل (الفاشية) التي اجتاحت إيطاليا بعيد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى؛ بمعنى أنها إفراز اجتماعي يطفح على السطح فعندما يكتنف الشعوب الإحباط والهزائم يلجؤون إلى التعبير عن رفضها من خلال أحياء الماضي، ومحاولة فرضه بالعنف وتقديس الأنا والنكوص والتغني بأمجاد الماضي التليد، في محاولة لإحيائه من جديد، وفرضه على العالم بالقوة والعنف. ومثلما انكشفت الفاشية في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، فإن ما نتج عن ما يسمونه الربيع العربي من أهوال وإرهاب وفتن، أقنعت كثيرين من العرب والمسلمين غير المؤدلجين بأن ظاهرة التأسلم السياسي التي أنتجت الإرهاب ظاهرة ليس وراءها إلا الفتن والدماء والبعد عن الأمن والاستقرار؛ وهذا في رأيي أهم الأسباب التي جعلت ظاهرة إرهاب القاعدة تضعف بعد مقتل زعيمها والأمر نفسه سينطبّق على داعش بكل تأكيد.
النقطة الجوهرية الثانية، والتي لا يمكن أن يمر عليها المراقبون مرور الكرام، مؤداها أن داعش يفتقر افتقاراً واضحاً للتنظير فلم يعرف له أو لكبار أقطابه مؤلفات أو طروحات يمكن أن تبقي الكوادر على صلة أيديووجية به، عكس تنظيم القاعدة التي كان أساطينها يهتمون اهتماماً كبيراً بهذا المنحى، فأغلب الدواعش جاءت نصرتهم لداعش نتيجة للحماس والعواطف دون أن يكون لها جذور فكرية إستراتيجية، لذا يمكن القول إن فقدان الرأس، والهزائم المتكرِّرة، سيكون لها في تقديري انعكاسات سلبية ستجعل انتشار الداعشية يشهد نوعاً من أنواع الاضمحلال في طريقه للتلاشي مع الزمن. وفي رأيي أن نهاية الحرب الأهلية السورية، وهو أمر وشيك حسب ما يدور في الأفق من مؤشرات، لن تبقى بيئة راعية لهم إلا التراب الليبي، وبمجرد هزيمة الحركات الدموية المتأسلمة في ليبيا، ستكون داعش، ومعها القاعدة، في حكم الحركات المنتهية.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة يتمحور حول أن الحركات الدموية المتأسلمة هي حركات (فاشية)، وإذا ما تعامل معها العالم مثل ما تعامل مع الفاشيين بمختلف أشكالهم، فإن ذلك كفيل بالقضاء عليهم قضاءً مبرماً مع الزمن.
إلى اللقاء