د. خيرية السقاف
الجار ملاذ، فأين هو الآن؟!..
جار اليوم حجبته مكعبات الأسمنت، وعزلته قواطع الحديد..
لا يدري عن جاره أمرا: يحزن فلا يشاطره، يمرض فلا يعيده، يصرخ ولا يسمعه..
مثقل بأعباء يومه، مثخن بآلام ركضه،
أصم بهدير الشارع، والأجهزة، والكلام الكثير الذي يرده، ويخرج عنه طيلة يومه،
حتى نافثات الهواء البارد في بيته في القيظ تملأ سمعه فتصمه عن جاره..
منشغل بذاته؛ مهمومة فلا يدري عنه جاره، فرحة ولا يشاركه همومه،
مريضة فلا يزوره، مصابة ولا يواسيه..
جار اليوم غريب، وأنت غريب..
غربة الجيرة عزلة وإن كان أفراد البيوت في ضجيج الحياة يعتركون،
يأكلون ويشربون، يزورون ويقابلون،
يعملون ويتكلمون، يتعارفون ويتبادلون في محيط أعمالهم، وتبادل مصالحهم، وحيث منافعهم
إلا مع جيرانهم..!
وحيث تلف عنقك يميناً، ويسارا، وأماماً، وخلفا،
ومتى هذه الأسوار تحتضن بيوتاً صغيرة، وكبيرة، بأنفس كثيرة، وقليلة
فإن الجار لا يدري من فيها يقطن، ولا كم عدد أفرادها الذين يقيمون،
حتى أسماؤهم ليست في خانة ذاكرة أي منهم، ولا على مجرى ألسنتهم..!
وفق هذا الواقع أيبقى للجيرة أن تكون ملاذا؟!
والأبواب تشكو القطيعة، والأسوار تمد في العزلة، والغرباء «جيران»..
غرباء يبتاعون الرغيف من «فرن» الحارة..!
والعجينة واحدة، والفرَّان ذاته..
ذات الوجه الذي يألفون جميعهم، مرسومة على صفحته كل وجوههم..!
جيران..
والجيران غرباء..!
إلا السائقين عند مداخل البيوت، وحارسي أبواب المنازل المتجاورة -إن وجدوا-
أولئك وحدهم من يتبادل التحيَّة، والسلام في شوارع الأحياء..