د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
احتلتْ عقولَنا (الرياضُ) تلك المدينة الفاتنة التوَّاقة المكتنزة أصالة حتى أصبحتْ جزءًا منا فسكنتْ فينا وسكنتنا كل تفاصيلها؛ نلتفُّ داخل الأمكنة حيث هي الرياض وأحياؤها القديمة (اليمامة ومنفوحة والمرقب والعود وسلام والشميسي والديرة والبطحاء ومعكال ...) تلك الفضاءات والزوايا التي استدارتْ وتربعتْ في تلابيب الذاكرة، فكان للرياض حضورها الأزلي، وكان حضورنا حين أوقاتها، وأصبحنا اليوم نرصد زمن الرياض الجميل الذي أضحى من السهل حيازة دلالاته؛ فاحتجنا لكثير وكثير من المهارة والحذق للقاء الحداثة والعصرية حينما استقبلتها الرياض؛ ومشاهدة صور الانفتاح على شموس العالم من خلال نوافذ (الرياض) الملأى بأطواق الجمال، فأضحتْ الرياض تأسرنا شغفًا نحو تفاعلها مع حيوية الحياة؛ ذلكم شعور فريد يسيطر على فكر قاطني عاصمة بلادنا العملاقة (الرياض)؛ وكأننا نقبض على صفحات جديدة من تاريخها الذي تركته لنا الكتب ومدونات الرواة الذين تحدثوا عن الرياض وسكانها لما عبروا بواباتها؛ وما زالت الأجيال الجديدة تستهويها مغامرات الرياض الحديثة؛ وصوت الرياض الشجيّ عندما تستلهم النهوض؛ وتتوق للعلياء، ويبقى الأجمل دائمًا ما يحيطنا من الدهشة عندما نقرأ حكاية الرياض والناس حيث جغرافية الاستقرار فلم تكن الرياض يومًا بالنسبة لنا محطة رحيل، ولم نكن يومًا قافلة مرور عليها؛ بل حطّتْ رحال العالم على ثرى الرياض فكانوا هنا بمفهوم الاندماج وسلاسته الذي أطلقوا عليه (السياحة)؛ ففي شمالها متكأ وفي غربها مورد اخضرار عذب؛ وإلى الشرق شروق آخر؛ وفي جنوب الرياض دعة الناس التي امتزجت مع المصانع ودخانها، ولم تكن صناعة المكان مضنية في (الرياض) لأنها فتحت ذراعيها لتُعَبأ بالزمن الحديث وقدمت ثيابها لتُنسّجَ من جديد؛ نعم (مدينة الرياض) تصعد وفي مدارج الصعود يكمن سر الحياة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} صدق الله العظيم؛ وفي كل دروب العبور في (الرياض) يقابلك إعلان وطني يحملك أن تفكر في مستقبلك، وتتذكر ماضيك، فجاءت (الرياض) الجميلة مجيئًا مدهشًا، ومن حظي بالرياض في مسترادها قادمًا حتمًا سوف يحبها، وسوف يتعلم من أهل الرياض الأمل والعمل، وسوف يبادلونه رواية حكايات الشموخ هنا عندما افتتح المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه - كل إمكانات (الرياض) وأمسك بفيض عطاءاتها (1319) فقدّمها للعالم «طلقة المحيا رحيبة» وألبسها حُلة الزمان قشيبة، ومازالتْ (الرياض) الحبيبة تقتسم مع قاطنيها وزائريها اللحظة والتاريخ؛ الماضي والحاضر فتصبح الرياض كتاب تاريخ كبير؛ وذاكرة أحداث وحكاية أجيال تتوق للرياض وما زالت تقتبس جذوة من ضياء الماضي ليصبح الحاضر مشرقًا، فالرياض اليوم تصنع متكآت نهضوية تسد الآفاق؛ وتصحو على خطاب حضاري تنموي جديد ولافت صاغته العقول المخلصة بتوجيهات القيادة الرشيدة، ويبقى ماضي الرياض الجميل وتراثها وحاراتها القديمة وأوابدها حضارة ممتدة بأدوات إخراج جديدة مما تحفظها الذاكرة في حاضرها؛ وتحن لها الذاكرة مستقبلاً بإذن الله،
(فكم في رُبا (حجر اليمامة) مرتعٌ
تغنّى به ميمونُها وجريرُها
تموجُ بميدان الصفاة جموعُها
ويلقى بشير َ القافلين نفيرُها
تعيثُ بحباتِ القلوبِ ظباؤها
وتفعلُ ما لا يفعلُ السحرُ حورُها)
من شعر عبدالله بن خميس