د. محمد عبدالله العوين
أجمل ما في انتفاضات الشعوب العربية ضد إيران أنهم أولئك الذين خدع كثيرون منهم بدعاوى المعممين بأنهم ينتصرون لآل البيت - رضي الله عنهم أجمعين - وأنهم يسعون لإعادة الاعتبار إليهم والانتقام من خصومهم.
وأقف هنا وقفة قارئ للتاريخ أمام الغاية البعيدة التي يرمي إليها الإيرانيون في الضرب على هذا الوتر والبكاء على المظلومية والعزف على أوجاع وآلام تاريخية مضى على حدوثها أكثر من ألف وأربعمائة عام، واندثرت دول وتعاقبت عليها دول، فما الجدوى من استعادة شريط أحداث مأساوية لا يمكن أن ينتقم من أراد الانتقام ولا أن يفعل شيئاً؟ هل سنوقظ بني أمية من قبورهم؟ أم سنعيد ترتيب من يستحق ومن لا يستحق الولاية؟ هل نحن الآن في زمن يقع ما بين 36- 61هـ؟ هل يمكننا محاسبة يزيد بن معاوية أو عمر بن سعد بن أبي وقاص أو شمر بن ذي الجوشن؟!
إن من السخرية بالعقل أن يحبس في إطار زمني بعيد يظل يستعيد مآسيه وكروبه وآلامه؛ بينما يتطاحن العالم وتدور معاركه وصراعاته عند قضايا السيطرة على مكامن القوة والسباق إلى اكتشاف مجاهل العلم والغنيمة من إشعاع العقول النيِّرة التي تفكر في اللحظة الراهنة وفي الغد لا في قصص اندثرت وولَّت ومضى أصحابها وصانعو أحداثها إلى ربهم وهو كفيل بمحاسبتهم ولا يمكن أبداً استعادة تلك الأحداث من جديد ولا تغيير مساراتها.
تتجلّى غايات عمائم ولاية الفقيه في التركيز على تقسيم المجتمع الإسلامي إلى طوائف متنازعة متحاربة وإذكاء نيران الفرقة والشتات والكراهية وزرع الخلافات بين مكوناته؛ لئلا تجتمع على رؤية متقاربة فتتعاضد وتتعاون على بناء أمة قوية، لو اجتمعت علت رايتها فصنعت حضارتها الخاصة كما كان شأنها حين سادت نصف الكرة الأرضية.
اليوم تبيَّن للشيعة العرب الذين خدعتهم الدعاوى الإيرانية المزيَّفة أن عمائم قم ترفع الشعارات الطائفية بغرض التفتيت والتقسيم، وأنها ما وطأت أرضاً عربية إلا دمرتها وخربتها وأحالتها إلى ركام، انتقاماً من العرب، وثأراً لتاريخ قديم من الهزائم الفارسية أمامهم، وشعوراً مرضياً متمكناً في نفوس كثيرين من الفرس بأنهم سادة وقادة وأن العرب ليسوا صنَّاع حضارة، بينما شهد العالم أن أكبر وأوسع مساحة حضارية في تاريخ الإنسان هي فترة السيادة العربية الإسلامية على نصف الكرة الأرضية لمدة تزيد على ثمانية قرون.
وكان من وسائل خديعة الشعوب العربية صناعة العناوين البرّاقة واختراع الشعارات المزيّفة وإيلاء اهتمام خاص بقضية فلسطين، فالأحزاب والمليشيات تشي أسماؤها بإيحاءات دينية (حزب الله) (أنصار الله) (الزينبيات) (حزب الدعوة) (فيلق القدس) (عصائب الحق)... وهلم جرا.
واليوم انتفض شيعة العراق ولبنان فأحرقوا صور خامنئي وحسن نصرالله، وهاجموا مقرات المليشيات الإيرانية وانتقموا من عدد من قادتها القتلة.
والشعار المتفق عليه في العراق ولبنان (إيران برا برا).
ابتدأ زمن الانحسار الفارسي والهروب من ديار العرب ثم الهروب من طهران وقم إلى مزبلة التاريخ.