د. إبراهيم بن محمد الشتوي
الحديث عن استعمال تقنية «الموازنة» في إقناع المخاطب «المرأة» بصحة القول وأهمية العمل بهذه الإرشادات، يستدعي تقنيات أخرى يتوسل بها الكاتب من مثل «التناسب»، و»التناسق»، و»التناقض» و»التوازن»، وهي مفاهيم يرتد بعضها إلى الرياضيات، وبعضها إلى المنطق ما يجعل إرشاداته محكمة النسيج، وذات بعد علمي. يقول الكاتب: «المهم أن يتناسب طوله (المعطف) مع طول جسمك» فالتناسب مفهوم رياضي في المقام الأول، ولكن الكاتب يعتمد عليه في تسويغ فكرته بجمالية المعطف.
بينما نجده مرة أخرى يتحدث عن التناسق، الذي ينبغي أن يضبط العلاقة بين حجم «الكشاكش» وحجم الجسم، فكلما كانت كبيرة الحجم أمكنها اعتماد الكشاكش كبيرة الحجم.
وبالنسبة لي أنا لا أعلم كيف سيكون حجم المرأة إذا أضافت إلى كبر حجمها الأول ما تضيفه الكشاكش من كبر وظهور، وواضح أن فكرة الكاتب (المصمم) أن يمارس نوعاً من التدليس فيخفي الحجم الأصلي بالحجم الجديد، ويوهم الناظر أن هذه الضخامة إنما هي من الكشاكش وليست بسبب كبر الحجم.
وأياً ما يكن، فإن مصطلح «التناسق» قد أضاف معقولية على الفكرة، وقبولاً لها يبعد ما يتبادر إلى الذهن ما ذكره في موضع آخر وعلله بمفهوم «التوازن» حين تحدث عن ارتداء الريش، فقد نصحها بأن تتجنب ارتداءه على كامل الجسم لما يضفيه من حجم كبير عليه، فالتوازن هنا يعني أن تضع الريش في الأماكن التي تريد أن تضيف إليها حجماً زائداً ليتوازن مع مكان آخر زائد الحجم.
فالريش والكشاكش يقومان بالوظيفة نفسها، فهما معاً يضفيان حجماً زائداً على اللابس، بيد أنه في الكشاكش رغب أن تكون هي نقطة التركيز فتذهب بعين الناظر، في حين رغب في أن يكون الريش جزءاً من المشهد العام، ويصبح متضمناً في جسم المرأة دون أن يكون مستقلاً عن الصورة الكلية أو مسيطراً عليها كما في الكشاكش.
فاستخدم للأولى التناسق، والثانية التوازن على الرغم من تشابه الوظيفة المطلوبة وهي إضفاء زيادة حجم على المرأة، وتشابه المعنى الدلالي للكلمتين (التناسق، التوازن)، لمحاولة التمييز بين الحالتين والفكرتين، وتسويغ الخلاف في الموقف من الحالتين المتشابهتين، في حين أن السبب فيما –يبدو لي- (وأنا لا أفهم في الأزياء شيئاً) أن الريش غير مناسب لأن يكون كامل اللباس منه لأن الناس لم يعتادوا ذلك، ولأن المرأة ستبدو كالدجاجة في مظهرها، ولكنه تجنب الاعتماد على هذا التعليل مفضلاً التمسك بالتلميح الضمني ألا يوجد مستحيل في الأزياء، وإتاحة الفضاء لخيال المتلقي إلى اللا متناهي في احتمالات التصميم.
وهذا عينه ما يقال عن الفرق بين مصطلحي «التناسق»، و»التوازن»، ومصطلح «التناسب» الأول، فهي متقاربة المعنى الدلالي، ومتشابهة الوظيفة بحيث إنها تسعى إلى مراعاة آثار اللباس على المرأة في حجمها وشكلها الخارجي، فإذا كان المصطلحان الأوليان يعنيان بموضوع «الكتلة»، فإن الأخير يهتم بالطول، مع أنه قد استعمل الفعل «يتناسق» للحديث في موضع آخر عن الطول، فقال: «طول التنورة يجب أن يتناسق مع طول جسمك»، وهذا يدل على مقدار التداخل بينها.
وإضافة إلى هذه المصطلحات هناك مصطلحات أخرى يدعم فيها «مقوله» حول اللباس كـ»لوقار»، و»العملي»، «الرواج»، و»الانسجام»، وهي وإن كانت ليست ذات مفاهيم علمية، فإنها تسبغ على المقول نوعاً من المقبولية، والتماسك والإيهام بالعلمية، مما يمنحها تأثيراً على المتلقي (المرأة)، ويجعلها مساوية للمصطلحات الأولى في القيمة خاصة وأنها لا تلتزم بالمفهوم العلمي الدقيق الذي تنحدر منه، بقدر ما تضفي على المقولة بعداً إقناعياً من خلال القول الضمني بأن هذه المفاهيم العلمية في بناء الأشياء وتكوينها هي المحتكم في تكوين هذا المقول.
لكنها تغطي حاجات اجتماعية لدى المرتدي لهذا النوع من اللباس، فالوقار يغطي صفة شخصية محببة لدى الإنسان توحي بالمكانة الاجتماعية، والعقل، وعدم الابتذال لكل أحد، والعملي تعني عدم التكلف والمبالغة في المظهر، والرواج تعني الانتشار والقبول لدى عدد عريض من الناس، ومثلها الانسجام، ما يعطي حجة قوية في إقناع المتلقي بوجاهة التصميم.
في حين تأتي كلمات أخرى تتناول جانباً من الحاجات الاجتماعية يكاد يكون مقابلاً للأول، فهو لا يعنى بالوقار، والصورة النمطية بقدر ما ينتج صورة مختلفة تماماً تعنى بالتمرد على الذوق السائد في تصميم اللباس أو المكياج كالذي ذكرناه من قبل، فتأتي كلمات مثل: «الجرأة»، «الفوضى»، «الازدواج» «غرابة»، لبناء مقول مختلف لا تنطبق عليه المصطلحات السابقة.
وواضح أن هذه الجرأة والتمرد تعني التمرد على قواعد اللباس وتصميم الأزياء، ويقصد بها بوجه خاص استعمال الأصباغ واللباس على وجه غير مألوف، كأن تلبس ثوباً مرقعاً، أو بلون غير متوقع كالأصفر مع اللون الوردي، أو أن تضع على العينين ألواناً ملطخة غير متجانسة كأن تضع اللون الأزرق أو الوردي المعدني على شكل مستطيل، ولأنها على غير العادة، فإن الهدف المقصود تحقيقه هو لفت الانتباه، ما يمثل حجة قوية في دعم المقول، وإقناع المخاطب بصحة هذا الاختيار.