ثالثا: تلقي الرمز وتأويله:
يشتد حضور الرمز في جانب التلقي والتأويل؛ إذ الرمز بطبيعته يدعو المتلقي أكثر من أي شيء آخر إلى التفكر والتأمل في مكنونه وأبعاده. ولم يعد النظر في النص داخل إطار النص نفسه فقط هو المستولي على التحليل النقدي، فعندما أمات (رولان بارت) المؤلف، انفتح السياق النقدي على مجموعة من جهات النظر الأخرى التي أسميها بالتفكير خارج الصندوق.
وجاء المتلقي في سياق التحليل النقدي من مدخل التنبؤ برد فعله تجاه النص، أو تحليله، أو تأويله فيما لو أخفى النص كلاما لم يقله صراحة؛ ليأتي دور المتلقي بأن يستنطق النص، ويحايله لاستجلاب خفاياه، فالنص كما يشير إمبرتو إيكو «يريد أن يترك للقارئ المبادرة التأويلية، فهو في حاجة إلى مساعدة قارئ ما لكي يعمل».
ولاشك أن المتلقي يختلف تبعا لتعدد مستوياته العلمية ومرجعياته الثقافية، وهذا يخلق تذبذبا من حيث قراءة النص وتأويله، فإذا ما تم تناول أشكال الرمز، ومهامه السابقة فهي نمط لقراءة نموذجية هدفها التحليل، وهذا التحليل بتلك الحدود المرسومة قد لا يستحضرها المتلقي العادي كما هو الحال مع المتلقي الناقد.
ومن هنا فالرمز لعبة خطرة يمارسها الكاتب مع نصه، يكون رهانها المتلقي ومرجعياته الثقافية، فإذا ما كان بعيدا عن بيئة الكاتب، أو غير مدرك لواقعه وأحداثه، سيكون من الصعب عليه الاستمرار في فهم النص، ومن ثم وصول الرسالة الرمزية التي أخفاها العمل الأدبي.
مما سبق يتجلى سؤال من المهم طرحه، هل ينبغي أن يكون الرمز على درجة عالية من الغموض حتى يمكن أن يستحق الإشادة به ودرسه؟ في ظني أن هذه النظرة للرمز ليست هي ما يرنو إليه الكاتب لحظة إبداعه، فهو يهتم بدرجة كبيرة لأن يكون كلامه مفهوما، الفهم الذي يكون قريبا من المتلقي بقليل من النظر والتأمل، وإلا استحال النص ورقة طلسمية لم تؤدِ رسالتها المطلوبة، إلا إذا تعمد الكاتب ذلك.
إن عملية التلقي في حد ذاتها نشأت من خلال الدور الفاعل للتداولية على عملية التواصل بين الباث/ الكاتب والمستقبل/ المتلقي من خلال رسالته التواصلية/ الإبداع، حينها يكون التأويل «فعلا قائما على عنف يمارسه المؤول على النص» للخلوص بفهم الرسالة التي تحقق الهدف التواصلي الرئيس من الكتابة للإبداع وتلقيه.
رؤى واستنتاجات:
1. الرمز بفكرته القديمة موجود مع النص منذ القديم، إلا أن تشكله المنهجي كان مع المدرسة الرمزية، ثم ازداد تطورا مع علم العلامات ودخوله الجانب التحليل اللساني والفلسفي.
2. الرمز يحتاج إلى شكل يظهر فيه من خلال النص، ولا قالب يظهر فيه إلا اللغة، وحتى يطرد الكاتب قضية التشابه في العرض لابد من التنويع في أوعيته اللغوية وقت استيعابها الرمز المُتحدث عنه.
3. تلقي الرمز ثم تأويله، يحتاج إلى قاسم مشترك بين الباث والمستقبل حتى تكون الشفرة مفهومة أثناء مرورها بقناة الاتصال بينهما، فحدوث القطيعة أو الخلل في بناء التأويل يوقف عملية التلقي ومن ثَمَّ إفشال التأويل.
4. الرمز الموغل في الإبهام ربما يضر النص أكثر من نفعيته؛ إذ فهم المتلقي للرموز جزء مهم من عملية نجاح استمرارية التواصل وفاعلية التلقي.
5. ربما يستطيع الكاتب أن يبني له رمزا خاصا به. ولحظت هذا في أعمال الصقعبي المدروسة؛ إذ كان كوب الشاي ملازما له في طيات غالب قصصه، فكثيرا ما كان يرمز به إلى التفكير، أو الاستراحة وأحيانا إلى الهروب من الموقف.
انتهى
** **
- د. محمد المشهوري