عرض وتحليل - حمد حميد الرشيدي:
حين استرعى انتباهي عنوان هذا الديوان، الصادر هذا العام 2019م عن (النادي الأدبي بالرياض) للشاعر مفلح الشمري فكرت في معناه ومدلوله كثيرا، خاصة بعد أن فرغت من قراءة جميع القصائد التي ضمها بين دفتيه، فوجدت أنه جاء من عنوان أو اسم لإحدى القصائد التي ضمها, وليس بشرط أن يعبر عن محتواه تعبيراً شاملاً, وإنما قد يكون من باب (تسمية الكل بالجزء أو العكس) وربما أنه من باب (تسمية الفرع بالأصل) أو لعله من باب ما يحدده (المجاز اللغوي) من منظور آخر، يدخل تحت فن (المجاز المرسل) أو ما هو في حكمه, من أنواع التعابير الأخرى الموازية.
فالذاكرة ترتبط بالعقل والذهن أكثر من ارتباطها بـ(الشفاه) المرتبطة بالكلام والأصوات.
لكني هنا سأتجاوز التسميات وأركز على مضمون ما وراءها، عملاً بقاعدة «... وللناس فيما يعشقون مذاهب» على اعتبار أن الشعراء والكتاب والمبدعين عموماً أحرار فيما يختارونه من أسماء لمؤلفاتهم، أو أعمالهم, شريطة أن تكون في حدود اللائق والمناسب، وفي إطار ما لا يتنافى مع الذائقة العامة للناس!
والحقيقة أن مضمون الديوان جميل، ويستحق منا أن نتوقف عند كثير من القصائد المتنوّعة التي ضمها, وخصوصاً أن هذا الترحيب المبدئي به وبشاعره يعود إلى كونه صادراً ضمن «سلسلة الكتاب الأول» التي يصدرها النادي تباعاً, ورقمه في هذه السلسلة أو ترتيبه هو (37). أي أنه الإصدار الأول للشاعر، ولم يسبقه صدور ديوان آخر له. وهي بادرة طيبة يستحق عليها النادي والقائمون عليه كل الشكر والتقدير والاحترام، لتبنيهم مثل هذه المواهب المبدعة ونشر إنتاجها, وإبرازها من الظل إلى إشراقة الإبداع.
ولو عدنا للحديث عن قصائد الديوان واستعرضنا بعضا منها لوجدنا أن الطابع الوجداني هو الطابع الأكثر بروزاً على معظمها، وان كان بعضها الآخر يعاني من سطوة (هاجس الشعر العربي القديم) وتشبثها (الطللي) بالمحبوبة وأهلها وديارها.
لكن الشاعر ينعتق أحيانا من ربقة القديم، وسطوة كلاسيكية القصيدة العربية ليكون أكثر صدقاً ووفاءً لحاضره، مما ينتج عنه صور جميلة ومبتكرة, أخذت من القديم أصالة اللغة, ومن التعبير الحديث جدته وطرافته!
ومن ذلك - مثلا - استعاراته المتكررة لاسم المحبوبة في عدة قصائد من الديوان- على غرار الشعراء العرب القدامى - فهو يسميها زينب أحياناً كما قال في قصيدة عنونها بـ«قوس الهوى»:
هذا فؤادي في وصالك يرغبُ
فلمَ التجافي في المحبة زينبُ؟
«الديوان: ص31»
وقد يخاطبها بـ(ليلى) كقوله:
ماذا يقول بحب ليلى المغرمُ
فدعوا الهوى ما بيننا يتكلمُ؟
«الديوان : ص41»
وفي القصيدة ذاتها يخاطبها أيضا باسم مختلف هو(حواء), بقوله:
حواء جودي بالهوى لا تبخلي
أتراه يصبر عن هواها آدمُ؟
وهناك ألفاظ (استلطاف) للمحبوب, وألقاب محببة، تحمل معاني أكثر رقة من الأسماء المستعارة يكثر وجودها في ثنايا القصائد, مثل أن يخاطبها بـ(سيدتي) أو بـ(مولاتي) أو بـ(يا طفلتي) وما شابه ذلك.