جلست قبالتها قائلة:
أنت صديقتي الوحيدة التي أثق بها، وأخبرها بتفاصيلي الصغيرة.. انتفضت وهي تكمل:
هل تصدقين؟ لقد أغلق كل وسائل التواصل بعد خلاف كان بيننا، وسلَّم نفسه للنوم، للنسيان.. لا أعلم.. هكذا اختفى ببساطة؟!
ربما لا يريد الصدام أكثر، أو لا يريد المواجهة..
بدا عليها الحزن وهي تستعيد اللحظات:
لقد ضحكنا كثيرًا البارحة إثر هفوته الكيبوردية.. ضحكنا كالأطفال!
يبدو أنني لم أعتَدْ الفرح، كنت متوجسة.. وها أنا أدفع الثمن وجعاً..
لا أدري لِمَ انقلبت موازين مسائي هكذا؟!
لقد كتب في آخر رسالة: (هذا المساء حزين جداً).
تكمل: كانت تكفيني منه كلمة لتعيد إليّ توازني، لكنه دفعني إلى الهاوية... وبكلمة واحدة!
ربما بالغتُ في استفزازه! لكني لم أتهمه بشيء..
أنا فقط كنت أخبره باشتعالي شوقاً وغيرةً، ولاسيما وهو في تلك البلاد البعيدة محاط بالنساء..
أعلم أنه عمل، لكن هذا لم يشفع..
ما آلمني حقاً ردة فعله!
كان بارداً.. متحفزاً.. شعرتُ بتقاسيم وجهه تتصلب..
ظهرتْ لي صفةٌ كنت أخشى أنها فيه.. كان أنانياً وقاسياً..
الحقيقة لا أدري كيف؟ لكنني فضلت الانسحاب..
تصمتُ لحظاتٍ ثم تقولُ بحزن:
أنا فقط عانيتُ كثيراً، ولا أحتاج إلى مزيدٍ من القساة في حياتي!
لقد أحببته جداً، لكن...
تستمر الحياة، وتثبت لي أنَّه ما لكل مجتهد نصيب، وأظل التلميذة البليدة التي لا تتعلم الدرس!
تنهض بتثاقل من أمام مرآتها.. تنزع ملابسها، وتتجه إلى المسبح..
تلقي بجسدها في أحضان الماء..
صرخات
عدتُ من الحرب محملاً بأصوات وأنين كل تلك الجثث التي قتلتُها..
دفنتهم، لكن صرخاتهم فرَّت وسكنتني..
عندما أفتحُ فمي تنطلقُ صرخات مرعبة؛ لذا أغلق فمي بإحكام..
تظل هذه الأصوات تتحرك داخلي باحثة عن نافذة للخروج!
في المساء وعند نومي تغافلني، وتنطلق معلنة عودة صرخات الموت!
** **
- د. شيمة الشمري