العُرْضِيَّات اليوم عبارة عن محافظة، كانت منذ عقود -قبل التصنيفات الإدارية- بمسمى (العُرْضِيَّة) هكذا مجردًا، ثم استُحدثَ فيها مركزان للإمارة هما (مركز العُرْضِيَّة الجنوبية ومركز العُرْضِيَّة الشمالية)، وظلت كذلك زمنًا طويلاً حتى ترقَّت -مع التشكيلات التي تمت قبل بضع سنوات- إلى (محافظة العُرْضِيَّات)، وتضم -بالإضافة للمركزَين السابقَين- عدة مراكز، وتتبع لمنطقة مكة المكرمة، وتقع أقصى جنوبيها، بين منطقتَي الباحة وعسير في القطاع (التهامي الجبلي). وللعِلم، فعندما نورد هنا مسمى العُرضيات (الذي هو اسم المحافظة حاليًّا) فهو يعني العُرضية (الاسم الأصل قبل أن يتأسس فيها المركزان وقبل أن تتأسس فيها المحافظة) والعكس صحيح. الكسر المقصود هنا هو كسر حرف العين الذي يأتي تاليًا لـ(أل) التعريف، في حين إن حرف العين في العُرضية (العُرضيات) في الأصل مضموم. فبالعودة للمعاجم اللغوية نجد كلمة (العُرْض) عند الفيروزآبادي تأتي بمعنى (النخوة والصعوبة)، والحال أن العُرضية كونها جبلية فالسير فيها فيه صعوبة، وعند ابن فارس في مقاييسه تأتي بمعنى (الوسط)، والعُرضية تُعد مكانًا وسطًا بين الحجاز شرقًا وتهامة الساحل غربًا، وعند ابن منظور تأتي بمعنى (الوسط والناحية والاعتراض)، ولعل في اعترض أوديتها لطريق المسافرين -شمالاً أو جنوبًا- ما يعزز المسمى. وفي كل الأحوال فليست العُرضية وحدها مَن يتميز بهذه الخصائص، بل تشاركها مثيلاتٌ لها، لكنها ربما استفردت بالمسمى دون غيرها. من أين جاء كسر عين العُرضية (العُرضيات) إذن؟ جاء الكسر مما أورده العلامة حمد الجاسر -رحمه الله- في (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية) القسم الثاني صفحة (952) حينما أورد كلمة (العِرْضِيَّة) هكذا بكسر العين، وذكر أنها في منطقة القنفذة بمنطقة مكة المكرمة. ووفقًا لقاعدة (كلٌّ يؤخذ من كلامه ويُرد..) فيمكننا القول إن حمد الجاسر جانبه الصواب؛ وذلك لمبررات منها: أولاً- يبدو أن الجاسر لم يقف بنفسه على تراب العُرضية ويسمع مسماها منطوقًا من شفاه أهلها. ما يعزز هذا القول هو ما أورده في مقدمة معجمه حينما قال: «يدرك القارئ جانبًا مما عاناه أولئك الإخوة المسهمون في هذا المعجم من المشقة، وما بذلوه من جهد...»، وفي مكان آخر من المقدمة يقول: «لم تكن الطريقة التي سار عليها الإخوة المشتركون في تأليف هذا المعجم مرسومة موضحة..» وهذا فيه دليل على أنه ربملم يصل للعُرضية ويأخذ بنفسه مسماها من أفواه أهلها، بل إنه اعترف بوجود الأخطاء في معجمه مرجِعًا ذلك إلى «أن كثيرًا من كُتاب الإمارات -يقصد إمارات المناطق وإمارات المحافظات وإمارات المراكز، وهذه جميعها كانت تُمسى (مناطق) قبل استحداث التصنيفات الأخيرة- لا يجيدون قواعد اللغة فينقلون الاسم عن عوام، فيكتبونه كما ينطق به أولئك». وهذا يعني أنه اعتمد على معاونين ومناديب له في المناطق، واعتمد أيضًا على الكَتَبة في إمارات المناطق (منطقة، محافظة، مركز)، ووقتها كان القائمون بأمر تلك الإمارات يسمى الواحد منهم بـ(الأمير)، وهؤلاء بالإضافة لكُتابهم وموظفيهم معظمهم ليسوا من أبناء تلك المناطق -وخاصة في الجنوب- وإنما من وسط المملكة، ما يعني عدم إلمامهم بالصحيح من تسميات البلدات والقرى والمعالم. ثانيًا- على افتراض أن الجاسر وقف على تراب العُرضية وأخذ اسمها من أهلها مشافهة، فهل أخذ المسمى وضَبْطَه من أفواه شريحة كبيرة ومن نواحٍ متعددة في العُرضية حتى يطمئِن له؟ ثم كيف نوفق بين كتابته العِرضية بالكسر، في حين ينطقها غالبية الأهالي بضم العين؟! بل إنني سمعت وسألت عينات كثيرة من جهات شتى في العُرضية وكلهم ينطقونها بضم العين (العُرضية). ثالثًا- ربما أرجع البعض الاختلاف في حركة عين العُرضية إلى أنها كانت حينما دونها الجاسر تُنطق بالكسر، ومع الزمن تحولت إلى الضم، وهذا دليل لا تقوم به حجة؛ فمعجم الجاسر لم تمض عليه إلا حوالي أربعة عقود، وهي فترة قصيرة لا يمكن أن تتبدل فيها المسميات أو تتغير حركاتها ما لم يكن هناك قرار عُلوي. رابعًا- المعاجم المذكورة في أول المقال أوردتْ المصدر بضم العين (العُرْض)، ولا أدري كيف غابت جميعها عن الجاسر؟ خامسًا- ربما يقول البعض أن الجاسر حجة ثبت لا تحق لنا مراجعته بوصفه لا يكتب إلا صوابًا، والحقيقة لو أن الجاسر بيننا اليوم لما رضي هذا القول الذي يجعله في مقام العصمة. ها هو يقول في مقدمة معجمه: «أمَّا ما لم يُضبط من هذه الأسماء في هذا الجزء، أو (ورد بصورة غير صحيحة)، أو لم يُذكر، فإن الأمل في أن تتضافر جهود القراء على تقويم المعوج وإكمال النقص». والدليل على أن معجمه يعتريه الخطأ هو إيراده لمسمى (ثُرَيبان) التي هي حاضرة مركز العُرضية الجنوبية بمحافظة العُرضيات وجعلها تتبع لمنطقتَين مختلفتَين مع أنه يشير للبلدة نفسها؛ فقد قال: «ثريبان من قرى بني رِزق في العرضية الجنوبية،بمنطقة إمارة مكة المكرمة»، ثم قال: «ثُرَيبان من قرى بلقرن في تهامة، فيه مركز من مراكز إمارة بلاد عسير»، ومعلوم أنه ليس لبلقرن وبني رزق إلا ثُرَيبان واحدة تقع بمركز العُرضية الجنوبية في تهامة بمحافظة العُرضيات بمنطقة مكة المكرمة. سادسًا- من خلال مخالطتنا ولقاءاتنا مع بعضٍ من إخوتنا من وسط المملكة يلاحظ عليهم أنهم يكسرون الحرف الأول لبعض المسميات، فيقولون (جِيزان، تِنومة..)، بالتالي فمن المحتمل أن مناديب الجاسر في العُرْضِيَّة أو القائم بأمر العُرضية -وقتها- أو كتبة القائم، عمدوا إلى كتابة العُرضية وفق منطوقهم هم فكتبوها (العِرْضِيَّة) بكسر العين بدلاً من ضمها. سابعًا- في عددها السادس (1439هـ) نشرت مجلة العلوم الشرعية واللغة العربية -التي تصدرها جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز- بحثًا بعنوان (من الظواهر الصوتية في لهجة أزد تهامة.. دراسة تربط بعض الظواهر اللهجية في محافظة العرضيات بأصواتها التراثية)، للدكتور مكين بن حوفان القرني أستاذ اللغويات المشارك، وكيل كلية العلوم والآداب في قلوة بجامعة الباحة وهو أحد أبناء محافظة العُرضيات، وفيها قال: «العُرْضِيَّات جمع العُرْضِيَّة، وضبطها بضم العين، وربما أتت تسميتها من العَرُوض وهو الطريق في عرض الجبل..» إلى أن قال: «والعُرْضيَّة جزءٌ من العَرُوض الواقع بين مكة واليمن، وتسميتُها تُثبت اسم العَرُوض للمنطقة المذكورة، بدلالة أصل الاشتقاق». من هذه المعطيات يتضح عدم صوابية كسر عين العُرضية (العُرضيات)، وهو ما يستوجب تصويب ذلك في المخاطبات الرسمية والمشافهات بحيث تُكتب وتُنطق مضمومة العين، والمرجو مِن خَلَف العلامة حمد الجاسر والقائمِين على معجمه المبادرة بمراجعة المعجم وتصويب أخطائه وتلافيها في الطبعات القادمة، ومن ذلك ضم عين العُرْضِيَّة (العُرضيات) بدلاً من كسرها.
** **
- محسن السُّهيمي