د. عبدالحق عزوزي
خطاب الكراهية أينما كان وأينما تم ترويجه فإنه يطرح تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش جزء من الناس مع الآخر بسبب لون بشرته أو بسبب عرقه أو انتماءاته الحضارية والثقافية. ومن هنا قيمة المؤتمر الدولي عن دور الدين والإعلام والسياسات في مناهضة خطاب الكراهية وتعزيز التعايش السلمي، الذي نظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا وبحضور دولي كبير يتقدمه الرئيس النمساوي الأسبق هاينز فيشر... وقد جاد وأجاد الأمين العام للمركز فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، في التنظيم المحكم لهذا الملتقى، وهو المتشبع بأصول بناء الأسرة الإنسانية الواحدة، واكتسب خبرة طويلة في هذا المجال؛ وقد قدم في تدخله رؤية المركز وما يبذله من جهود بدأت تعطي ثمارها لمواجهة خطاب الكراهية. وتساءل في كلمته عن دور القادة الدينيين والإعلاميين في مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على الآخر، خصوصاً أن تأثيرهم كبير ومهم في التصدي له ونشر خطاب بديل يقوم على التسامح.
كما أن الرئيس النمساوي الأسبق هاينز فيشر اعتبر في تدخله في افتتاح المؤتمر الدولي أن أهمية هذا اللقاء تنبع من تركيزه على الكلمة، التي يمكن أن تكون السبب وراء كل ما يحمله الشر والخير من نتائج، داعياً إلى الحذر من استعمال الكلمات، خصوصاً كلمات الكراهية، التي تلحق الأذى بالآخرين. ونبّه فيشر قائلا: «لا نستطيع أن نتكلم من دون أن نتطلع إلى دور الإعلام وتأثيره في صناعة الرأي العام، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، التي تؤدي دوراً كبيراً في نقل خطاب الكراهية عبر ملايين الرسائل والتدوينات»، مشيراً إلى ضرورة أن يتصدى الإعلام لها «عبر إيجاد تشريعات لمواجهة هذا الخطاب».
ويمكننا أن تتابع في هذا الباب وبالضبط في الدول الأوروبية ازدياد نسبة معاداة الإسلام بشكل كبير، إذ يعتبر الأوربيون الإسلام تهديدا خطيرا، فتكثر كل أشكال الكراهية وتكبر النظرة الازدرائية والسياسات العمومية المناوئة للمسلمين.. وفي مقال للفيلسوف الكبير يورغن هابرماس، الذي يمثل بحق الانتلجنسيا الأوربية النقدية التي رفعت إصبع الاتهام ضد الشر والبؤس، حاول هذا المفكر الكبير في الكثير من أبحاثه إعطاء جواب مقنع لهاته التساؤلات بعيدا عن القراءات السطحية والمغرضة التي تصدر في بعض الأحيان عن مفكرين أوربيين ذوي قناعات حزبية وسياسية تؤثر في الأخير على فهم الأمور بل وعلى مجرى الأحداث، لأن السياسيين غالبا ما يعتمدون على تحاليلهم ودراساتهم لتكون لهم عونا ونصيرا في تعليل سياساتهم المتعلقة بالأجانب.
أشار الفيلسوف الألماني إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين هو السبب الذي جعل الجسم المجتمعي الألماني مثلا مريضا بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو الذي يغذي في عقول الألمان مقولة وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية، وهاته الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك على قبيل ما وقع في تسعينات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد، مما أثار زوبعة من الاحتجاجات السياسية؛ ولكن خلافا لما وقع في تلك الفترة، فإن السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة «يهودية - مسيحية»، ويتساءل الفيلسوف الألماني عن نسيان السياسيين الجدد لما وقع لليهود في ألمانيا!
لا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية والتي تتجاوز حدود ألمانيا لتشمل جل الدول الأوربية كما وقع بالضبط في السنوات الأخيرة في مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا حيث يمكن أن تنتقل هاته الكراهية إلى مدن أخرى، ولكن الذي بدأ يقع في ألمانيا هو وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرقون بين الدعايات الحزبية السياسوية وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة... الكراهية داء خطير تأتي على الأخضر واليابس وتعتمد على مرجعيات فكرية مغرضة إذا نمت وتسيست في المجتمع فإنها تصبح داء عضالا وفيروسا فتاكا يقضي على أصول التعايش وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك.