سمر المقرن
في دراسة منشورة ليست بجديدة، لكنني في الواقع لم أطلع عليها سوى من وقت قريب، عن إنفاق العرب أكثر من 5 مليارات دولار «سنوياً» على المشعوذين والدجالين، وسواء الرقم صحيحاً أو مبالغاً فيه فلجوء - بعضهم- لهؤلاء الدجالين ودفع الأموال لهم حقيقة مؤكدة وظاهرة أبطالها بعض الأشخاص، والمؤسف أن هناك برامج وقنوات فضائية كاملة تدعم الدجل يصل عددها إلى 245 قناة طبقا لتقرير اتحاد إذاعات الدول العربية، وهو رقم مخيف إذا علمنا أن القنوات الثقافية مثلا لا تتجاوز 7 قنوات يتيمة على مستوى الوطن العربي؟ فما الذي جعل حوت الجهل يبتلع أسماك الثقافة والتنوير بهذه الوحشية؟ فتصبح نسيا منسيا؟ وتغرق المجتمعات في الشعوذة. فأصبحت تطالعنا ليلاً ونهاراً بكل وقاحة وسفور إعلانات الشيخة «فلانة» المتخصصة في رد المطلقة، والشيخ «علان» لجلب الحبيب وفك السحر والأعمال وعلاج المس ورد الغائب، تحت مسمى المعالجين الروحانيين للروح التي لا يعلم سرها إلا رب العالمين؟! فما الذي جعل وللأسف المجتمع العربي بيئة خصبة للدجل والشعوذة الذي يغرق في بحره بعض الأميين والمتعلمين على حد سواء، فهذه الأفكار السطحية لا تعرف إلا «الجهلة» بغض النظر عن مستوى التعليم!
أما المصدقين لهم فيلجئون للعرافين ولو حتى من باب التسلية -على حد زعمهم- فيخوضوا ويلعبوا ويخسروا أموالهم في رحلة اللهث خلف المشعوذين. ولقد هالني ما رأيته في فيديوهات ومقاطع في -بعض- الدول العربية من طابور طويل لفتيات يتزاحمن أمام أحد العطارين المشهورين لشراء نبات بدعوى استخدامه لفك العكوسات التي تمنع زواجهن، دون أن يبحثن عن السبب الحقيقي لعدم زواجهن وقد يرجع لصفات سلبية لديهن!
أعلم تماماً، أن كثيرا من النفوس متطلعة شغوفة لظلمات كهوف الغيب تحاول أن تُخمن ما فيها فتلجأ للدجالين أو العرافين دون أن يدري أصحابها أنهم بدأوا مباراة غير متكافئة ضد القدر وحفنة من النصابين، فصاروا كمن تخطفهم الطير أو هوت بهم الريح في مكان سحيق أو لهثوا خلف سراب معرفة الغيب (بقعة) حسبوه ماء فلما وجدوه لم يجدوا شيئا! وقتها فقط يدركوا الحقيقة بعد فوات الأوان!
بلا شك السحر مذكور في القرآن الكريم، ولكن لا أتوقع أن المذكور هو بالصورة التي تُمارس اليوم في تسطيح العقل البشري، علينا أن نؤمن بالله رب العالمين وأن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى فقط، ونقترب من الله أكثر، ومن العقل والمنطق الذي يتنافى تماماً مع هذه الممارسات. حتى لا نرى من يلهث خلف أوهام جلب الحبيب ورد المطلقة.