أ.عبدالله بن منصور الجعويني
العائد الاقتصادي الناتج عن تنظيم معارض الطيران في المملكة
أكثر من 80 % من معارض الطيران التي تنظم عالمياً بمختلف فئاتها يتم تنظيمها ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وكما هو موضح في الجدول رقم (1) فإن 350 معرض طيران سنوياً ينظم في الولايات المتحدة الأمريكية بحضور جماهيري يقدر بـ4 % من إجمالي سكان الدولة، أما في المملكة المتحدة فترتفع نسبة الحضور إلى 10 % من إجمالي التعداد السكاني رغم ما يعرف عن أجواء المملكة المتحدة في كثرة التقلبات الجوية وهطول الأمطار الغزيرة المتكررة في مختلف فصول العام، ومما لا شك فيه أن تنظيم العدد الكبير من معارض الطيران في الدولتين المذكورتين قد نتج عنه رافد اقتصادي كبير مباشر وغير مباشر خلال الخمسين عاماً الماضية، مبرراً من المنظور التجاري وتيرة الزيادة في تنظيم أعداد إضافية من معارض الطيران والتي من خلالها تتم إتاحة الفرصة لشركات متعددة التخصصات في مجال الطيران والفضاء لعرض براءات الاختراع لديها، وابتكاراتها، ومنتجاتها، والخدمات التي يمكن أن تقدمها لأسواقها المحلية والعالمية. ومن الجانب الآخر، فقد أدى ازدياد عدد تنظيم معارض الطيران في الدولتين المذكورتين أعلاه إلى إنتاج قطاع اقتصادي عالي المهنية متخصص في تنظيم وإدارة وتسويق معارض الطيران محلياً وعالمياً، وشركات أخرى متخصصة في إدارة حركة الطيران والعروض الجوية تعمل بالتعاقد مع الشركات المنظمة لمعارض الطيران، وشركات مهنية ليس لها علاقة مباشرة بقطاع الطيران ولكن دورها لا يقل أهمية، وهي تلك المتخصصة في تنفيذ عمليات بناء المواقع المؤقتة لمعارض الطيران، مع العلم بأن من أهم العناصر التي يعتمد عليها كركيزة أساسية في تنظيم أكبر معارض الطيران العالمية هو الدور المهم الذي يقوم به المتطوعون من طلبة الكليات والجامعات فيما يخص المشاركة في مراحل تنظيم معارض الطيران، حيث إنه يتم استقطاب أعداد كبيرة من المتطوعين لتتم مشاركتهم في تلك المعارض بعد تدريبهم على الدور المحوري والمهم الذي سيقومون به.
ومن أهم المتطلبات الأساسية التي ترتكز عليها تأسيس صناعة معارض الطيران في المملكة هو إيجاد المنظومة الحكومية المتكاملة بمشاركة القطاع الخاص والمتمثلة في الدور التشريعي والتنظيمي والاستثماري المناط بعدة جهات حكومية منها الهيئة العامة للطيران المدني، ووزارة الدفاع من خلال قطاعات الطيران التابعة لها، وبمشاركة إستراتيجية مهمة من قبل الهيئة السعودية للفضاء، ودور مؤسسات حكومية أخرى لا تقل أهمية في تأسيس صناعة معارض الطيران وهي صندوق الاستثمارات العامة، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والهيئة العامة للرياضة، والهيئة العامة للترفيه، مع العلم بأن أنظمة الهيئة العامة للطيران المدني الحالية الـGACAR تشمل بنوداً خاصة تعنى بسلامة تنظيم معارض الطيران، ولا يستلزم استحداث أي أنظمة جديدة من قبل المشرع بهذا الشأن.
وقد وجدت دول أخرى ذات الاقتصاديات الناشئة والمؤثرة عالمياً مثل الصين والهند أهمية في تأسيس قطاع صناعة معارض الطيران، لما في ذلك من دعم متنوع لمسيرة تطور اقتصادياتها ودعم لتطورها الفني والتقني والتجاري في قطاع الطيران والفضاء، وينظم في الصين والهند حالياً مجموعة من معارض الطيران، أهمها:
- معرض الصين للطيران والفضاء (China International Aviation الجزيرة Aerospace Exhibition)، ينظم سنوياً.
- معرض الطيران الصيني (Aviation Expo China)، ينظم كل عامين.
- معرض طيران الهند (Aero India)، ينظم كل عامين.
أما في المملكة، فما زالت تجربة تنظيم معارض الطيران في مرحلة الولادة رغم أهمية مكانة الاقتصاد السعودي عالمياً والطلب المتزايد لتطوير خدمات قطاع الطيران في جميع تخصصاته، وكدولة عضو في مجموعة الـ20 للدول الأكثر تأثيراً على الاقتصاد العالمي، ورغم الأهمية المحورية لتطوير قطاع الطيران المدني والعسكري لرؤية 2030، إلا أنه لم يظهر على خارطة معارض الطيران العالمية حتى تاريخه معرض طيران سعودي عالمي يضاهي المعارض العالمية المذكورة أعلاه من حيث مستوى التنظيم والمشاركة الدولية رغم الريادة السعودية في الكثير من القطاعات الاقتصادية العالمية.
من هذا المنطلق، فقد تمت البدايات بشكل متواضع في تنظيم معارض للطيران المدني في المملكة في عام 2015، حيث نظم نادي الطيران السعودي معرض طيران تثقيفيا وترفيهيا بمسمى العلامة التجارية «ملتقى الطيران العام»، والذي بدأ بحضور متواضع جداً لم يتجاوز 3 آلاف زائر محلي ومن دول الخليج، وتلا ذلك في السنوات اللاحقة تنظيم ثلاثة ملتقيات طيران، بالإضافة إلى تنظيم النادي وللمرة الأولى في عام 2019 معرض طيران تجاريا بمسمى العلامة التجارية «المعرض السعودي الدولي للطيران»، مع العلم بأن جميع معارض الطيران التي نظمت في المملكة قد تطلبت مجهودات كبيرة جداً من المنظمين، ومع ذلك لم تتوافق المخرجات مع المعايير المتعارف عليها عالمياً في تنظيم معارض الطيران في بعض متطلبات السلامة والتنظيم العام في محيط المعرض الداخلي والخارجي، ويعزى ذلك إلى أن جميع معارض الطيران المدني التي نظمت في المملكة قد نفذت بميزانيات مالية متواضعة وبإمكانات إدارية ولوجستية لا ترتقي لنظيراتها عالمياً، وذلك في ظل عدم وجود آلية مؤسساتية تجمع الجهات ذات العلاقة في تنظيم صناعة معارض الطيران تحت مظلة فريق عمل واحد.
ولتأسيس صناعة معارض الطيران دور مهم في نقل التقنية المتخصصة في علوم الطيران والفضاء إلى المملكة، والمشاركة الفاعلة في تنمية قطاع السياحة والترفيه، ناهيك عن التدريب المهني والفرص الوظيفية الدائمة والمؤقتة ذات الاختصاص الدقيق التي بإمكان تأسيس تلك الصناعة أن توفرها للشباب والفتيات في السنوات المقبلة.
وكما تبين الأرقام والنسب في الجدول أدناه موقع المملكة الحالي في صناعة معارض الطيران والفرص الاقتصادية المتوقعة في انتقال آلية تنظيم معارض الطيران من العمل الاجتهادي إلى العمل المؤسساتي الذي يعمل من خلال أهداف اقتصادية محددة وإستراتجيات مساندة لرؤية 2030 في جميع مضامينها ذات العلاقة، وعلى سبيل المثال لو تمت الاستعانة بالأرقام والنسب الواردة في الجدول أدناه كمؤشر، فإنه بالإمكان أن تنظم مجموعة من معارض الطيران تبدأ بزيادة أعدادها بشكل تدريجي في مناطق مختلفة من المملكة إلى أن تصل إلى العدد المستهدف لاستقطاب مليون زائر سنوياً في عام 2030 (مع العلم بأن عدد سكان المملكة في 2030م متوقع أن يصل إلى 40 مليون نسمة)، والرقم المستهدف يشكل في مرحلته الأولية 2.5 % من إجمالي عدد سكان المملكة المتوقع في عام 2030م، على أن تشمل معارض الطيران المنظمة معرضاً عالمياً تجارياً وحداً (Trade Airshows) ينظم كل عامين ومعارض أخرى للطيران متنوعة تنظم في تخصصات أخرى (تقنيات وتكنولوجيا المطارات، الطيران الخاص، الدرونز/ طائرات التحكم عن بُعد، مسابقات الطيران الرياضي، ومعارض طيران تثقيفية وترفيهية ... إلخ)، مع العلم بأن المملكة العربية السعودية تمتلك ميزة اقتصادية مهمة لا تمتلكها الأسواق المجاورة لها وهي التعداد السكاني الذي يفوق تعداده جميع أسواق دول الخليج مجتمعة، وهذا يؤمن للمملكة ميزة في وفورات الحجم الاقتصادي على المدى البعيد (Economies of Scale)، والاستدلال على ذلك موضح بالجدول أدناه عن النتائج المحفزة التي ظهرت في تأسيس صناعة معارض الطيران في دول اقتصادية صناعية قد سبقتنا في ذلك بأكثر من خمسين عاماً:
كما هو موضح في جدول رقم (1)
معرض دبي للطيران كنموذج يحتذى به
نظم معرض دبي للطيران للمرة الأولى في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في عام 1986م، وفي الدورة الثانية للمعرض في عام 1989م وإلى 2017م (خلال 28 عاماً) سجل معرض دبي خلال هذه الفترة نمواً ملحوظاً في نسب الأعداد المشاركة في المعرض حسب ما هو موضح في الجدول رقم (2) أدناه:
كما تظهر الأرقام أعلاه، فإن معرض دبي للطيران قد سجل متوسط نمو سنوي خلال 28 عاماً ما يعادل 19 %، وما تعنيه هذه النسبة أن العائد الاقتصادي في هذه الزيادة لم ينحصر فقط لصالح معرض دبي للطيران، بل إن الزيادة في نسب زوار المعرض ترتب عليها عوائد اقتصادية مباشرة ازدادت على طلب خدمات المطارات، إشغال الغرف الفندقية، والزيادة في الطلب على السلع والخدمات في المدينة، والتوظيف ... إلخ، فإن نجاح تنظيم معرض دبي لطيران قد نتج عنه جذب ما يقارب من 80 ألف زائر إلى مدينة دبي خلال فترة المعرض (أي ما يعادل تقريباً 3 % من التعداد السكاني للمدينة)، وقد حققت هذه الأرقام الإيجابية بعد وضع المنظومة المؤسساتية الحكومية الخاصة بتنظيم مثل تلك المعارض.
الخاتمة
تمتلك المملكة جميع المقومات الاقتصادية اللازمة لتكون في مقدمة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تأسيس صناعة معارض الطيران، فالسعودية تشكل أكبر اقتصاد في المنطقة، ولديها رؤية 2030 الطموحة التي تشمل تحقيق أهداف محددة في جودة الحياة، والنمو الاقتصادي، وتوطين وتطوير صناعاتها العسكرية في قطاع الطيران والفضاء، وأهداف أخرى تكمن في زيادة أعداد السياح والحجاج والمعتمرين القادمين للمملكة، ويتطلب كل ذلك التطوير المستمر في قطاع الطيران المدني والمطارات، وإستراتيجيات خاصة لتدريب وتوظيف المواطن السعودي في مختلف القطاعات الاقتصادية الخاصة بالطيران، كما أن إيجاد منظومة لمعارض الطيران ستتيح الفرصة للشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة العاملة في مختلف قطاعات الطيران لعرض منتجاتها وخدماتها في السوق المحلية والتي يتعثر عليها في الغالب المشاركة في معارض الطيران الإقليمية والدولية لارتفاع تكلفة المشاركة، كما أن المملكة شرعت في إنشاء مشاريع عملاقة كمشروع نيوم والبحر الأحمر والقدية والتي من الممكن أن يشكل تنظيم معارض الطيران وبطولات سباقات طيران عالمية عامل جذب سياحي مهم لهذه المشاريع.
وتأتي النسبة المستهدفة لعدد زوار معارض الطيران بـ2.5 % خلال العشرة سنوات المقبلة من سكان المملكة (مليون زائر) كنسبة متحفظة يمكن تحقيقها إذا ما أخذ بعين الاعتبار أن نسبة الحضور لتلك المعارض في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة قد وصلت إلى 4 % و10 % تباعاً من نسبة إجمالي عدد السكان في كل دولة، ومن هذا المنطلق يأتي وضع إستراتيجية حكومية خاصة بتنظيم معارض الطيران بمختلف تخصصاتها محلياً لتكون رافداً اقتصاديا مهماً في دعم الخطط الإستراتيجية لرؤية 2030، وتأسيس صناعة معارض الطيران ستعزز أيضاً العلاقات العامة للقوات المسلحة مع مختلف شرائح المجتمع أسوة بمثيلاتها في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ودولاً أخرى.
وفي ظل غياب المنظومة الحكومية المتكاملة مع القطاع الخاص والمتعلقة في مساندة صناعة معارض الطيران السعودية للانطلاق نحو العالمية، فإن القطاع الخاص السعودي لن يستطيع المضي قدماً في تنظيم معارض الطيران محلياً وتحمل نسبة المخاطر التجارية العالية المصاحبة لتلك الصناعة قبل البدء بتوطينها كتوجه إستراتيجي، وذلك لكي لا تكون معارض الطيران هي الفرصة المفقودة في منظومة الاقتصاد السعودي.
* * *
* الكاتب:
- عضو مجلس الإدارة التنفيذي في الاتحاد الدولي للطيران، سويسرا.
- عضو المجلس الدولي لمعارض الطيران، الولايات المتحدة الأمريكية.
- عضو المجلس الأوروبي لمعارض الطيران، هولندا.
- عضو جمعية عروض الطيران البريطانية، المملكة المتحدة.
- عضو جمعية الاقتصاد السعودية، المملكة العربية السعودية.
المصادر:
- Saudi Strengths at Dubai Airshow. The Dubai Airshow, 17 March 2019
- المجلس الدولي لمعارض الطيران، الولايات المتحدة الأمريكية (International Council of Airshows).
- معرض دبي للطيران، ويكيبيديا.
- هيئة الطيران المدني البريطانية (UK Civil Aviation Authority).
- نادي الطيران السعودي.