ميسون أبو بكر
السائق المصري الذي أقلَّني من مطار الملك عبدالعزيز بجدة إلى مقر إقامتي مع الوفود المدعوة إلى جائزة الأمير الشاعر عبدالله الفيصل التي أطلقتها جامعة الطائف قدرتُ عفويته وروحه الطيبة وهو يتحدث بمحبة عن المملكة، ويدعو لها من القلب وهو سعيد بوصفه مقيمًا بالتغييرات التي طرأت في المملكة. وقد ذكَّرني بمرارة ما أشعر به تجاه بعض المغرضين الذين يطلقون سمومهم متى وجدوا الفرصة تجاه مملكتنا، الذين ألتقيهم في المناسبات المختلفة خارج المملكة.
لقد ضخمت وسائل التواصل الاجتماعي وسهلت نشر الغثيث قبل السمين، وصارت بوقًا للجميع دون اعتبارات أخرى أو النظر لمصدر المعلومة أو الخبر.. وللأسف انساق البعض للترويج لهذه الإشاعات والأخبار دون التوثُّق من صحتها، وخرفان (السوشيال ميديا) تحولوا لمنافحين ومدافعين عن بعض الإساءات؛ لذلك بدا الأمر أكثر تضخيمًا.
ما دفعني للكتابة اليوم هو حزني الشديد بوصفي مثقفة وامرأة عربية، أحمل عالمنا العربي في دوحة قلبي، ومشتغلة في الإعلام الثقافي، أن أرى هذه الفوضى من العداء والتحريض، بل انسياق البعض لتبني بعض الأفكار والأحقاد على المملكة.
أدرك جيدًا حجم الدهشة والاستغراب الذي تملَّك البعض نتيجة القفزات الكبيرة التي حملت مملكتنا الغالية نحو رؤيتها ومستقبلها، التي سرّت الصديق، وأغضبت العدو والحساد. وأعرف جيدًا الثقل العالمي الذي تشكِّله المملكة، كما مخططات أعداء الأمة العربية والإسلامية، لكن الذي لا أستوعبه هو أن بعض ما يُتداول من أكاذيب واتهامات ومبالغات هو على لسان أناس، كان المفروض أن يكونوا على وعي وخبرة ومعرفة، وأن يتحدثوا بإنصاف، وأن يملأ الفرح قلوبهم تجاه نهضة المملكة وشعبها، لكن ساء ظني بهم.
فلماذا مثلاً يصعب على البعض تصديق بشاعة حزب الله وأردوغان وقطر والخطر الإيراني، وبكل سهولة ننساق كشعوب وتنطلي علينا كمثقفين الحرب الإعلامية والشائعات ضد المملكة؟
منذ خمسة عشر عامًا وأنا أعمل في الإعلام السعودي الحكومي، ومنذ ذلك الوقت وأنا مطلعة على سياسة المملكة وطريقة طرحها الإعلامي. لم يكن العمل في القنوات الحكومية بسهولة القنوات الخاصة الأخرى؛ كان عملاً محفوفًا بالحذر وعمق النظرة، والمحاولة الدؤوبة لتثقيف نفسي، واكتساب الخبرة، كما جدية التقديم، والبُعد عن التسطيح والإيذاء.
كي لا يستغرب البعض تحيُّزي وميولي المطلقة للمملكة فقد كان خياري وإصراري أن أنتسب لإعلامها من ضمن عروض أخرى أكثر إغراء ودخلاً، ثم أن تكون بيتي الذي تحوَّل إلى وطن بخيار مثقفة واعية، وإنسانة تنحاز للحق والصدق، وتتبنى القضايا العادلة.
من خلال مسيرتي في الإعلام التقيت أصحاب القرار، وتشرفت بتوجيهات ولاة الأمر ولقائهم في المناسبات الكثيرة. معلمي الأول في الإعلام - كما زملائي - أمير الرياض آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، الذي شرَّفني بتوجيهه لعنايته بالتاريخ، واشتغالي بالإعلام الثقافي. ولا أنسى متابعته وحرصه على اقتناء إحدى حلقات برنامجي، وكانت تتناول سيرة الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - التي صُوِّرت في دارته.
كما لقائي التلفزيوني بالأمير نايف بن عبدالعزيز، ولقاءاتنا نحن المثقفين بالملك عبدالله.. كل هذا جعلني عن قرب أتعرف على أمور، رسخت بذاكرتي، وصرت مدينة طول العمر لإنسانية أهل هذه البلاد، وعطائهم، وتفانيهم لعالمنا الإسلامي والعربي؛ وهو ما حمَّلني رسالة سامية ومسؤولية حب الديار وأهلها، وقول ما رأيت وسمعت وعايشت.
السائق المصري الذي قال لي «احنا بنحب الخير للبلد دي»، وردد المقولة المعروفة «إذا لم تجد لنفسك حاقدًا أو حاسدًا فاعلم تمام العلم أنك فاشل»، صنع يومي، وأكد لي أن الدنيا رغم سواد البعض هي بخير.