حسن اليمني
كثرت في الفترة الأخيرة مكاتب التوظيف الوسيطة، وهي وإن خدمت وساعدت في تقليص نسبة البطالة إلا أن استثمار الحاجة للوظيفة فيه إجحاف كبير على تطلعات الباحث المؤهل.
تتعاقد شركة التوظيف مع إدارة المؤسسة أو الشركة لتوفير الموظفين والموظفات لسد حاجة الجهة المستفيدة في بعض تفرعات نشاطها دون الالتزام تجاه الموظف ذكر أو أنثى؛ بمعنى أنه تعاقد لأداء عمل مكمل يشبه إلى حد كبير التعاقد مع شركات مقاولات لتنفيذ مشرع ما لتصبح المصلحة بين الطرفين، ويصبح الموظف أو الموظفة بمثابة العامل المهني الداخل في حساب التكلفة الإجمالية مع المواد الخام والهندسة والإشراف وما إلى ذلك، إلا أنه هنا في تجارة الوظيفة يكون الموظف أو الموظفة أداة من أدوات الكسب وليس في ذلك مأخذ، فهذا حق طبيعي، بل إن ظهور شركات التوظيف ليس بدعاً، وهو معمول به في كثير من أنحاء العالم، وتعتبر خدماتها من المفاعيل القوية في تقليص البطالة عن العمل لكن يبقى غياب العدل بين الجشع والحاجة يستحق إعادة النظر.
تتعاقد هذه الشركات ليس مع القطاع الخاص فقط بل حتى الأجهزة الحكومية أصبحت تميل إلى التعامل مع شركات التوظيف للتخلص من أعباء شئون الموظفين وما تتبعه من التزامات أخرى بالاكتفاء بعقد محدد برقم التكلفة، ما يسمح لها بالتفرغ في صرف موازنتها المالية بشكل أفضل في تطوير الجهاز وضبط موارده وصرفه والتخلص من تقنين وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل والأنظمة التي تشرعها بهذا الخصوص، وكذلك تحويل العلاقة من مصلحة معاشات التقاعد إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وأمور أخرى كثيرة تهدف للرقي بالعمل وتطويره.
المأخذ في الأمر هنا هو في العلاقة بين شركة التوظيف والباحث عن الوظيفة؛ إذ إن غاية الطرفين مختلفة ومتباعدة تماماً في كثير منها، خاصة الوظائف المساندة، فالأول مستثمر يسعى للكسب وهذا حقه، والثاني مواطن يسعى لبناء مستقبل حياته على أرض وطنه وهذا أيضاً حقه، وفي حين يتم احتساب تكلفة الموظف على سبيل المثال بعشرة آلاف ريال لا يقدم للموظف أكثر من أربعة آلاف ريال هذا أولاً، ثم إن ساعات الدوام تحسب معدل ثماني ساعات ستة أيام في الأسبوع، وما يستحق النظر والمراجعة هو في قراءة الأثر الاجتماعي والتنموي الذي عماده الفرد المواطن، إن بالنسبة لكفاية المرتب وتناسبه مع التكلفة المعيشية لشهر واحد في كنف الحياة الاجتماعية في الوطن بشكل عام مع الأخذ بالاعتبار أن الموظف أو الموظفة المحتاجين لخدمات هذه الشركات في العادة حديثي التخرج من الثانوية العامة والجامعات؛ أي أنهم في مرحلة التأسيس الحياتية وبسعة مساحات المدن وعدم توافر وسائل المواصلات، ولعجز الكثيرين منهم عن توفير وسيلة التوصيل الذي لا توفره الشركة ولا حتى تقدم بدلاً معقولاً بحساب تكلفة المواصلات في المدن، فإن حصول الشركة على نسبة 60 % من تكلفة راتب الموظف المحسوبة في تكلفة التعاقد مع المستفيد في الواقع ظالمة وجائرة.
نعرف أن الشركات الناجحة الكبرى تحسب نسب الربح بما لا يزيد على 5 % ولنقل 10 أو 20 % كحد أقصى ليتوازن السوق وينمو، لكن وبكل أسف نجد نسب الربح في غالب منافذ التجارة لدينا وليس حصراً على شركات التوظيف، يأخذ نسباً مبالغ فيها تصل أحياناً إلى 150 % بحجة أن أسواقنا حرة وللمستهلك أن يختار في قول لا يدعمه واقع، فالاحتكار قائم وقوي وهو ضد حرية السوق وضد حرية الاختيار للمستهلك، والأمثلة على ذلك كثيرة ومعروفة ولا حاجة لتعريف المعرف، هذا الخلل حين يدخل إلى سعر الوظيفة وقيمتها الاجتماعية والوطنية بشكل أعم فهو وإن قلص نسب البطالة إلا أنه بنفس الوقت يزيد مساحة الفقر والعوز، فهل تكفي ثلاثة أو أربعة آلاف ريال للتكلفة المعيشية للفرد لشهر واحد كي نبني عليها منطقاً سليماً لبدء بناء حياة حديث تخرج؟!
شركات التوظيف لا تهتم باستمرارية الموظف، ذكراً أو أنثى، فسلعتها هي الوظيفة أصلاً وعملية التدوير لديها قائمة ومستمرة بين موظف أرهقته ساعات العمل دون مقابل يسد الرمق ولو بالحد الأدنى، وبين باحث عن العمل للتخلص من مد اليد، هنا يكون الاستثمار غير عادل ويستحسن تصحيحه من الجهات الرقابية، والتي يفترض أنها تنظر بنظرة شمولية اجتماعية وطنية أبعد وأوسع من نظرة استثمارية بحتة وبميزان عدل بين طرفي الوظيفة.