د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عندما كان الانسان المنتصب، أو القائم، أي الذي لم يعد يسير على يديه وقدميه، وإنما على قدميه فقط، طبقاً لنظرية داروين، ومفهوم النشؤ والتطور، وهي ما يتناقض مع الكتب السماوية، أو حتى الأساطير السومرية، والأكادية، واللكدانية، والبابلية، والأشورية وغيرها، أو قد يتفق مع الكتب السماوية، إن أصبح هناك تفسير متاح.
في ذلك الزمان لم يكن الإنسان يحتاج إلى تاريخ فهو يأكل ويشرب فحسب، يأكل مما يتساقط من الشجر، ثم أخذ في قطف ما على الشجر، كما أنه لاسيما إنسان الكهوف يأكل لحماً نياً، ثم استذاق طعم الشواء الناتج من احتراق الغابات نتيجة للصواعق، في ذلك الزمن الذي أصبح فيه الإنسان الحديث عاقلاً، أصبح يفكر بدرجة محدودة، طبقاً لما هو متاح، وذلك قبل عشرين ألف عام.
وقبل أربعة عشر ألف عام، أصبح يأنس في العيش في مجاميع بشرية إلى أن اهتدى إنسان سوريا إلى الزراعة قبل ثمانية إلى عشرة آلاف عام.
بعد أن اهتدى الإنسان إلى الزراعة أصبح يحرص على معرفة الفصول ليحدد موعد بذاره، لكنه لم يلتفت إلى عدد السنين والحساب، واستمروا على هذه الحال آلاف السنين لعدم حاجتهم إلى الرجوع إلى ما فعل أسلافهم، وإنما يعيشون حياتهم حتى مماتهم يصارعون الطبيعة حتى يأتي أجلهم.
والعرب سواء من معد أو حمير، فعلوا مثل غيرهم، وقد سبقتهم أمم ذات حضارات خلدتها الآثار في العراق والشام ومصر وغيرها، لكن حضارتهم لم تخلد لأنهم ربما لم يكونوا حريصين على وضع رموز لرؤسائهم، أو تخليد لذكرهم سوى بالشعر الذي تناقلته الأجيال مشافهة دون توثيق.
وفي بداية تاريخ العرب، كانوا يرسلون جملاً مرسلة لكل عام من أعوامهم، كأن يقولوا: كان ذلك يوم السلام وطاب، أو أن يقولوا: إذ الحجارة في اللين كالطين، أو يقولوا: إذ الصخر مبتل كطين الوحل، وغير ذلك وهذا يعني بمجمله منذ أمد بعيد.
وقد احتاج العرب إلى التاريخ المدد، فالتقوا إلى الوقائع والأحداث الهامة، فأرخوا في بداية أمرهم، بتاريخ نزول اسماعيل بن إبراهيم عليه السلام إلى مكة، ثم أرخوا بعام تفرق ولد معد، وهو العام الذي انتشر فيه أبناء معد، خارج الحجاز وتهامة، وعندما طال الأمد عليهم، أرخوا برئاسة عمرو بن لحي لماله من شهره، ذلك لأنه بدّل فيه التوحيد الذي جاء به إبراهيم ونقله إليهم اسماعيل إلى عبادة الأصنام، لكنهم سئموا من التاريخ برئاسة عمرو بن لحي، فأرخوا بموت كعب بن لؤي، وامتد اعتماد ذلك التاريخ زمناً طويلاً، حتى قال الزبير بن بكار: إن بين موت كعب بن لؤي وعام الفيل خمسمائة وعشرين سنة، وهناك من يشك في روايات الزبير بن بكار، وهو الذي نقل عنه الأصفهاني في كتاب الأغاني بضعاً من الروايات والقصص.
بعد ذلك أرخوا بعام الغدر، ويقال أيضاً، حجة الغدر، ذلك أن ملكاً من ملوك حمير وجه بكسوة إلى الكعبة، وعندما كانت القافلة التي تحمل الكسوة في طريقها إلى مكة، غدر بها قوم من بني بربوع، فقتلوا الرجال ونهبوا الكسوة والهدايا وما كان يحمله الناس، ووصل الخبر إلى القبائل المجتمعة حول الكعبة للعبادة في ذلك الوقت المحدد، فوثب بعضهم على بعض حمية قبلية جاهلية، ولذلك سميت حجة الغدر، ويقال ذلك حدث قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بمائتي عام.
وأرخوا بعام الفيل، وهو العام الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد مرور خمسة وخمسون يوماً من بدايته، وكان على الروم في الشام قسطنطين، وعلى فارس أنو شروات وقد مضى من ملكه أربع وثلاثين سنة، وكان عمرو بن هند ملكاً على المناذرة وقد مضى من حكمه ثمان سنين، وكان مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومبعثه بعد أربعين عاماً، إيذاناً بزوال الإمبراطوريتين الكبيرتين اللتان كانتا تحكمان المنطقة بأسرها.
عند مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ملك اليمن واسمه باذان باللطيمة من اليمن إلى أبرويز في فارس، واللطيمة العير التي تحمل المسك، أوعاء المسك، ويقال للمرأة طيبة الأنفاس، كأنها لطيمة تاجر، وعندما كانت اللطيمة في طريقها إلى هناك نهبها قوم من العرب، فخوفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة فعلهم، فقالوا: أكلة وموتة، فذهبت مثلاً، فوقع ما حذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم منه، فأرسل إليهم الملك رجل سمته العرب: المكعبر، وقطع أيديهم، وحبس بعضهم إلى أن تم فتح البحرين فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الغلاب الحضرمي والياً هناك، فأطلق سراحهم.
وعام الفجار بعد عام الفيل بعشرين سنة، وأرخوا بعام موت هشام بن مغيرة المخرومي، كما أرخوا ببناء الكعبة، واستمروا يؤرخون بذلك حتى صدر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما استشار من حوله واتفقوا على أن يكون عام هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بداية التاريخ الهجري.
هذه نبذة موجزة على التواريخ المستخدمة عند العرب، لكنهم ظلوا ينقلون تاريخهم مشافهة وكان الشعر ديوانهم لغة وتاريخاً إلى بداية انتشار التوثيق في العصر العباسي.