«الجزيرة» - كتب - محمد المنيف:
من يرصد ويوثق مسيرة الفن التشكيلي السعودي منذ أن انطلقت بذرته الأولى في التعليم في عهد الملك سعود وتواصل الدعم والتشجيع من بقية الملوك إلى أن وصلنا اليوم إلى عهد والد الجميع خادم الحرمين الشريفين وما يشكله هذا الإبداع من رافد في مستقبل رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وما يحظى به من تتويج لتلك المسيرة بمؤسسات تعي أهمية هذا الفن، واعتباره عنواناً من عناوين حضارة الوطن، ورمزاً لمستوى ذائقة المجتمعات الكبيرة في مناطق يحتضنها الوطن، المملكة العربية السعودية.
فقد أخذ هذا الفن يتبلور ويتشكل في المدارس في التعليم العام عبر مادة التربية الفنية، وصولاً إلى الخطوة الجادة في إبراز المواهب المبدعة لتكون هي قاعدة انطلاقة بتأسيس معهد التربية الفنية عام 1965م وأغلق عام 1990م، ضخ الكثير من المعلمين التشكيليين الذين حملوا مهمة إنشاء قاعدة هذا الفن لتصل بنا اليوم إلى هذه الأعداد من الأجيال لتنتقل المهمة إلى الجامعات، وكانت أقسام التربية الفنية أيضاً تنثر عطر خريجيها في المدارس بمعلمين أكملوا ما قدمه من سبقهم ليتطور الأمر توازياً مع متطلبات الواق الحالي لتصبح أقسام للفنون والتصميم لتخريج مبدعين يجمعون أسس الفن التشكيلي والتصميم للعمل في السوق لدعم الاقتصاد.
مؤسسات خاصة ترسم الطريق
واصل الفن التشكيلي خطواته بدعم جديد بعد أن زادت أعداد المنتسبين له من أجيال وتنوع من فنانين وفنانات وما أصبح فيه للفنانات من مكانة تنافسية وإبداعية مع التشكيليين الرجال جعل الساحة مغرية للتسويق والدخول في المزادات فكانت أيضاً المنافسات بيت المقتنين فانتشرت صالات العرض وتكاثر شطار التسويق محلياً وإلى خارج الوطن كون الأعمال الفنية السعودية ذات طابع لم تدنسه الحداثه وسيونامي التغريب.. واستمر التنافس بين مؤسسات رسمية منها سابقاً الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الثقافة والإعلام لاحقاً وجمعية الثقافة والفنون تتنافس تنافساً أثرى الواقع وأثمر عن تنوع في تقديم الفكرة والتنفيذ مع الحفاظ على الخصوصية والهوية الأصيلة لمستلهمة من تراث الوطن.
العصر الذهبي للفنون في وزارة الثقافة
واليوم وفي هذه الحقبة التاريخية التي يمر بها الوطن والتحديث والتطوير في مكوناته إنساناً وبنى تحتية وحضارة معاصرة متمسكة بقيمتها الإسلامية لم يغفل الفن التشكيلي أو يهمش ومن ذلك إنشاء متحف الفن السعودي المعاصر الذي يندرج في سياق ما استحدث له من كيانات بتوجيهات من وزيرها الشاب صاحب النظرة المستقبلية لثقافة الوطن سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود الذي يسير بهدوء الواثق لوضع ثقافة الوطن على مسارها الصحيح من خلال الكيانات التي منها كيان الفنون البصرية التي من بينها الفنون التشكيلية وما يعد لهذا الفن من فعاليات برز بعضها قبل إعلان المسؤول عن هذا الكيان ومنها مشاركة المملكة في بينالي البندقية، وما اعتمده سمو وزير الثقافة، من خطة لانطلاقة معهد الفنون التقليدية في المجمع الملكي للفنون الذي يأتي ضمن مبادرة أكاديميات الفنون التي أعلن عنها في الحزمة الأولى من مبادرة وزارة الثقافة في مارس الماضي ومبادرات برنامج جودة الحياة، وكان سمو وزير الثقافة قد أعلن في أغسطس الماضي البدء بدراسة الأكاديميات حسب حاجة السوق، بحيث تكون الأولى متخصصة في التراث والفنون التقليدية والحرف.. وسيبدأ المعهد استقبال طلبات الالتحاق به في خريف 2020م، مستهدفاً 1000 طالب ومتدرب في البرامج طويلة وقصيرة المدى، وذلك للحفاظ على الهوية المحلية من خلال الفنون، وحفظ التراث السعودي وصونه وتطويره وتخريج ممارسين مؤهلين لهذا الغرض، والعمل على التوعية بالفنون ورفع قيمة الفنان من خلال برامج يقوم بها أو من خلال الشراكة مع القطاعات ذات العلاقة، وتعليم الفنون والحرف اليدوية عن طريق برامج معتمدة، إضافة إلى القيام بشراكات أكاديمية مع الجامعات المختلفة لتوفير برامج تعليمية.. أما الوجهة الأخرى فهي معهد مسك الذي يسعى لاستخلاص الجيد والمميز من الفنون البصرية والتركيز على الأجيال الشابة واستنهاض الفكر الفني الجديد وسبل التنفيذ المعاصر.
متحف الفنون المعاصرة قطرة غيث للمتاحف
وما نقله أيام سمو الأمير بدر آل سعود وزير الثقافة رئيس المجموعة العربية للمتاحف من بشرى تعد الأهم لدى التشكيليين في هذه المرحلة وهو تأسيس متحف الفن السعودي المعاصر ضمن مشروع بوابة الدرعية والذي، يعد قطرة من غيث الوزارة التي يأمل أن يتبعه قطرات تجري بها سيول أودية الجمال لتتابع حلقات العقد بمتاحف أخرى لمختلف الفنون والحرف والمنتجات الشعبية فبلادنا غنية بها بتنوع يمثل المناطق.. لإتاحة الفرصة للجمهور من داخل المملكة والسياح لزيارتها بإقامة صالات تحتضن تجارب الفنانين من مختلف الأجيال الفنية والأساليب والتجارب من وإقامة معارض دائمة أو موقتة على هامشها. وقد كان الخبر مثار نقاشات وتساؤلات أحببنا أن نطرحها عبر الصفحة لإيصالها لمن هو معني بما سيتم في المتحف وتتحدد التساؤلات حول شروط أو مواصفات الاعمال التي سيقتنيها المتحف ولمن وهل للأجيال على اختلافها فرص في الاقتناء أم لفئات معينة من أصحاب التجارب أو العمر الزمني للأعمال وللفنانين وأقدمية حضورهم الفني في الساحة، وهل سيقسم المتحف كما هي المتاحف الأخرى لمختلف الأساليب بناءً على ما مر بمسيرة الفن التشكيلي وصولاً إلى الحداثة فيها أم سيكون للحداثة فقط كما يتصوره البعض بناء على تسمية المتحف بالفنون المعاصرة، وهل المعاصرة هنا تعني حداثة الأعمال لكل زمن أم للفنانين الأحياء وهل للرواد مساحة فيه من مؤسسي هذا الفن أم للأجيال الشابة.
كل هذا لا يقف أمام ما وضع للمتحف من منهج ودراسة وكيفية تنوع صالات العرض ومحتوياتها كما ينتظر التشكيليين أن يكون هناك صالات للمعارض محلية أو دولية لتحريك الساكن بانتقاء يليق بالمتحف.
تعدد المتاحف إثراء للذائقة
لاشك أن ما تعد له وزارة الثقافة من خطوات ومنها إنشاء المتاحف لبعد نظر سمو وزير الثقافة بأن تعدد المتاحف ما يثري الذائقة ويحتضن الإبداعات الإنسانية المختلفة كما هي في العالم ومنها المتاحف الوطنية للآثار والتاريخية والفنية التي تتميز بنوعية عروضها من الفنون الجميلة كاللوحات والمنحوتات والفنون الزخرفية، إضافة إلى المتاحف المتخصصة فيما يتعلق بالبحر والمتاحف العلمية والمتاحف التاريخية الطبيعية، ومتاحف أنماط العمارة ومتاحف الطفل التعليمية.