د. حمزة السالم
مسألة تعلق الديون بالزكاة لها تطبيقات، وحالات كثيرة في العصر الحديث، سواء في التجارة أو في الأفراد. فلا تكاد تخلو شركة من دين، بل إن الدين أصبح هو الجزء الأكبر في بناء الشركات وتشييد المشروعات وتنمية الدول. كما أن اعتماد الفرد على الدين اليوم هو الطريق الأمثل في بناء الادخار الاستثماري. والدين كلمة واسعة تحمل معاني كثيرة. فالديون منها ما هو محمود اقتصادياً، ومنه ما هو مذموم. وخلاصة القول، أن وجود الدين لا يمنع الغنى. ومن عليه دين؛ فليقضه قبل استحقاق أداء الزكاة، بمرور عام أو جبي جباة الأمير، ولا يتعذر بدينه. عند النظر لا يوجد حالة، يكون الدين مانعاً حقيقياً للزكاة.، وإثبات هذا لا مجال له في المقال.
فالمسألة تدخل تحت قسمين رئيسيين: الديون الاستثمارية، والديون الاستهلاكية. والنوع الأخير يشمل ما استهلك في حاجات فردية أو ما استهلك في خسارة استثمارية. ولم يأت نص شرعي صريح أو حتى شبه صريح بإعفاء من عليه دين.. بل لم يُنقل قط أن جُباة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألون صاحب النخل أو مالك الإبل إن كان عليه دين. ولو كان الدين مانعاً؛ لأوصى الرسول جباته بذلك، كما كان يوصيهم بالإحسان. ففي حديث معاذ عندما بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن: «إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ. فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، والحديث متفق عليه. وكذلك كان هو العمل عليه فيما اُشتهر عن الخلفاء الراشدين.
وعليه؛ فتجب زكاة المال الواجب زكاته، حتى مع وجود الدَّين.. سواء أكان ديناً استهلاكيا أو استثماريا. فالقول بإسقاط الزكاة بسبب الديون، هو من العلو بالظن على أمر الله الثابت بالنص الصريح. وهو أمر خطير عقائدياً، ولا يصح شرعاً ولا عقلاً، فلا يوجد مال زكوي في منزلة بين المنزلتين.
ومن العجائب قول بعض الفقهاء: لا يعفي في الأموال الظاهرة دون الباطنة، بحجج عقلية لا تنطلق من نصوص الوحي، وما أنزل الله بها من سلطان. فالزكاة ومقاديرها هي أمر تعبدي كفروض الصلاة وعدد ركعاتها، فلا يفرق بين صلاة الفجر وصلاة المغرب فتسقط واحدة دون الأخرى. وكون أن نفعها يتعدى لبشر وفيها حق لهم، خلق فيها الجانب المعاملاتي. وفي هذا الجانب فقط، أي الجانب المعاملاتي، يكون القياس والاجتهاد بإلحاق الأموال المستحدثة التي فيها نفع وحق للبشر، بعلل منضبطة لا يُلزم بعض، ولا يُعفى بعض بمجرد عاطفة الفقيه ورأيه وثقافته ومصالحه.