د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تغلبُ الصورةُ النمطية الصورةَ الفعلية فتُضخِّم وتقزِّم، وترفع وتضع، وتقول صدقًا وباطلًا، وقد تبدو أقوى من الحقيقة تحليلًا وتعليلًا وفعلًا وردَّ فعل، وبها بقيت صورة إنسان الجزيرة لدى الغرب ذا هيئة ملفتة لدرجة مست ملبسه الذي يألفُه، ومأكله الذي يعرفُه فلا يرى نفسَه كما عهد وسمَه ورسمَه بل عبر أفلام «هوليوود» التي جذَّرت شكلًا ساخرًا لم يجد من ينقضُه إلا قليلا.
** انفككنا من بعض الملامح، وكان لحركة الابتعاث التي نمت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية دورُها، وإذ توارت أو كادت حلَّت محل بعضِها صورٌ قاتمة للعبث والتيه والسرف والترف، وهي صور لا يصنعها الخيال وحده بل ممارساتٌ متناثرة ترسم ظلالَها من موردٍ ضحلٍ يَرى بعين مطفأة ليبدو خلل التعميم الذي يكتفي من المشهد بواجهته أو بإحدى جهاته.
** وفي الضفة المقابلة تبدَّى الغربُ لمعظم جيلنا بصورة ظالمة رصدتها عدسة معتمة لفيلم متداولٍ أو حكايةٍ منقطعة، وقد حُذّرنا منهم قبل أن نبلغَهم فلم نر سوى أناسٍ مثلِنا؛ طيبُوهم أكثرُ من شرارهم، وغافلوهم يفوقون مؤدلجيهم، وليس لدى جمعِهم العام استعداءٌ أو استعلاء.
** تتبدل الصورة النمطية بين فترة وأخرى وفق متغيرات الزمن والثروة والنظام والوعي والثقافة والإبداع، وليس أسوأَ ممن يسعى لاستبدال الصوت بالصورة عبر ضجيج الشكاوى وتكثيف التهيؤات؛ فالحقائق لا تُستقى من الكتابات الانطباعية والدعايات العابرة والشعارات الصاخبة، ومَن حَسبنا براميلَ نفط وقوافلَ جِمال ومُتيمي جَمال سيبقى متيقنًا من ظنه، وإذا اقتنع بما فوقها من علمٍ وعملٍ فسيصبح النِّفط والجمل والخيمة والصحراء والقصيدةُ والمرأةُ مزايا لا رزايا.
** تتكون الصور المتضادة فتثبت أو تنتفي، ولو قُرئت بصورٍ محايدة لتحرَّرت الأحكام، وهو ما يعني أهمية الالتفات إلى الصور التي يبثها ذوو اليسار والانتشار وسلبيو العمل وسيِّئو التعامل فيوصم بها البقية وهم منها براء، والأمر لا يخصنا وحدنا؛ فالصور النمطية حول أكثر شعوب الأرض انعكاسٌ لما يعرضه البث الرقمي والتقليدي، والنص الشعري والروائي، وقد يعجب ثلل من مظاهر لم يتوقعوها إذ أفرز واقع محدود أخيلةً ممدودةً فوهم الناؤون وقصَّر الراؤون؛ فبتنا نعايش مئةَ صورة نمطية لا تعبّر عنا وألفَ صورة لا تمثّل غيرنا، وكفانا أن نرددَ ويرددوا.
** شكا أصدقاءُ من أن أرضًا اشتُهرت بعلمائها وأدبائها ومثقفيها واقتصادييها وإدارييها استحالت مسخًا من التهريج عبر بعض الرقميين المتكسِّبين، ولا حول سوى مواجهتهم بأدواتهم وتخطي إفرازات التنمط بالتجدد، وتمثيل الواقع بالوقائع دون زيفٍ أو حيف.
** تجاوزت أميركا صورتها في «هيروشيما» و»نغازاكي»، وما كان لها لو أنصف الزمنُ أن تنجو، وقد كان قرارًا قصديًا سياديًا، وبقينا في صور آحادٍ استنكرناها وتبرأنا منهم، وكذا تتصلب الصورةُ وكذا تذوب.
** الحقُّ يُرى فلا يُفترى.