د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
تعرف الغرف بأنها تنظيمات اقتصادية تعمل للصالح العام، تستهدف تنظيم قطاعات الأعمال وتمثيلها ورعاية مصالحها، وتطوير أنشطتها ودورها في التنمية، في الإطار الذي يحقق تقدم الاقتصاد والمجتمع.
وفي المملكة، التي أنشئت أول غرفة فيها منذ أكثر من سبعين عاما، تشهد هذه الغرف اليوم، مرحلة جديدة من التطلعات إلى دور أكثر فاعلية، دور تضطلع من خلاله بمهام إضافية، تسهم في عملية تطوير وتنمية الاقتصاد الوطني، والمجتمع السعودي.
فالغرف السعودية تمثل على المستوى المحلي، نقطة التقاء بين القطاع الخاص والحكومة، وتعمل على تنمية القطاعات الخاصة وتشجيعها، وخلق فرص ومجالات الاستثمار فيها، والتعريف بمنسوبيها، وطرح المقترحات لمعالجة المشاكل التي تعترض مصالحهم، إضافة إلى إعداد الدراسات وتهيئة المعلومات، وتنظيم المعارض، واستضافة الفعاليات، والإسهام في تأسيس الشركات.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، تعمل الغرف على دعم المنتج الوطني عن طريق ترويج الصادرات، وتوطيد التعاون بالشركات والمؤسسات في المحيطين الإقليمي والدولي، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، والمشاركة في الفعاليات الاقتصادية الخارجية التي تعود بالنفع على الاقتصاد المحلي، ناهيك عن دورها في تطوير التجارة البينية مع دول المنطقة، والإقليم، والمجتمع الاقتصادي الدولي.
ويتبين من ذلك، الدور المتزايد للغرف في دعم الاقتصاد الوطني من خلال ما تقوم به على المستويين الداخلي والخارجي. ورغبة في تعزيز دور وخدمات الغرف، أطرح في التالي عددا من «وجهات النظر» أدعو المعنيين بها النظر في دراستها وتعزيزها، لتحقيق هدف سام وهام، ألا وهو خدمة الحياة الاقتصادية السعودية.
فجميعنا يعلم، بأنه لا يمكن فصل الدور الاقتصادي للمؤسسة عن «دورها الاجتماعي» فالمؤسسة فاعل اقتصادي بمسئولية اجتماعية، لا تنحصر هواجسها في تحقيق الربح، بل يتوقع أن تكون منخرطة في مشاغل محيطها الاجتماعي، للرفع من مكانته وقدرته. عالميا، لم يعد هناك مجال للمماطلة والتأخير والتردد في انضمام الشركات إلى ركب المسئولية الاجتماعية، وأصحبنا نرى ونسمع عن توجهات ومساهمات إيجابية من القطاع الخاص على المستوى العالمي ومن بعض مؤسساتنا المحلية، في مجالات المسئولية الاجتماعية المختلفة. وقد قدمت الغرف في مختلف مناطق المملكة، ممثلة برجال الأعمال والمؤسسات، الكثير من المساهمات الإنسانية والخيرية خدمة للمجتمع. إلا أن المجتمع السعودي بمكوناته المختلفة والمتعددة، يطمح في المزيد من مثل هذه العطاءات، وذلك في ضوء المتغيرات وتزايد الاهتمامات، بالدور التنموي الذي تلعبه المسئولية الاجتماعية، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
ومن منطلق أن «المنشآت المتعثرة» هي مسئولية الجميع، وحيث أنه يوجد داخل بيئة الأعمال المحلية، الكثير من المؤسسات المتعثرة، وأخرى أخذت تظهر عليها بوادر التعثر، فإن الكاتب يرى أنه من واجب الغرف التجارية العمل على مساعدة تلك الشركات المتعثرة في التغلب على الصعاب التي تمر بها، سواء كان نقصا في السيولة، أو تعثرا ناتجا لسوء إدارة. ويرى الكاتب بأن جزءا من مسؤولية إعادة إصلاح هذه المؤسسات المتعثرة، يقع على عاتق الغرف التجارية. جميل جدا أن تؤسس الغرف المشاريع الجديدة، ولكنه من المجدي، أن يستغل جزءا من اهتمام الغرف بالمبادرات المشاريع الجديدة، لصالح إعادة بناء المؤسسات المتعثرة.
ولا يختلف اثنان على أن «المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» تسهم بفعالية كبيرة جداً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأن هذه المنشآت تفوق في عددها الشركات الكبيرة، الأمر الذي يضع الغرف أمام مسئولية وطنية ومهنية تجاه هذه المؤسسات. ولا يمكن لأحد أن ينكر ما قامت به الغرف من جهود ملموسة في دعم تلك (المؤسسات)، من خلال البرامج التي تقدمها الإدارات والمراكز المعنية في الغرف، إلا أن هذه البرامج لا تكفي ولا تفي بالغرض. وأن المأمول، في ظل الدور المتزايد والطموح للغرف ولتلك المؤسسات في آن واحد، هو تطوير أعمال الإدارات والمراكز المعنية فيها، والعمل بجدية على ابتكار البرامج والخدمات التي تمكنها من تحقيق أهدافها. ومن أهم هذه الوسائل، هو الاستمرار في الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة، والإفادة منها.
يمر العالم اليوم بمرحلة ما يسمى اقتصاديا الاعتماد المتبادل، وذلك نتيجة لتقارب العالم اقتصاديا، وبشكل جعل من «تكريس التواصل الإقليمي والدولي» أمرا مطلوباً. ونرى أنه من الأهمية بمكان، زيادة وتيرة جهود تنمية العلاقات الإقليمية والدولية للغرف السعودية، ليس على مستوى الدول فقط، ولكن على مستوى المنظمات والوكالات الدولية المتخصصة، والتابع منها لهيئة الأمم المتحدة على وجه الخصوص، حيث يتوقع أن تؤدي تنمية العلاقات، ومع الوقت، إلى زيادة الروابط الاقتصادية، ناهيك عن الدور الذي ستلعبه تلك الروابط في تطوير العلاقات وبناء جسور التقارب. وهنا لابد من الإشادة بالتوجهات التي تمت من قبل الغرف السعودية في مسار تعزيز علاقاتها بالغرف الأجنبية في السنوات الأخيرة.
هذا وتحظى بلادنا بوجود عدد كبير من «المكاتب الاستشارية» التي تلعب دورا حيويا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وتمثل لاعبا أساسيا في تحسين الاقتصاد، من خلال ما تقدمه من الخدمات الاستشارية المتخصصة، كتطوير المشاريع والشركات، وتقييم الأداء، وتحديد فرص النمو، وتطوير المجموعات التجارية، ورسم الاستراتيجيات، ودعم مؤسسات الدولة، وتقديم المشورة لقيادات الأعمال، وتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات، وتقديم التوصيات والمقترحات.
ومع كل ذلك، فإن ملاك هذه المكاتب، أصحاب «المهن الحرة»، غير ممثلين في مجالس الغرف التجارية في المملكة، رغم أن ما يقدمونه من خدمات يتماشى ورسالة ورؤية وأهداف الغرف. وأرى أن الأمر يتطلب البحث عن الطريقة المثلى التي تمكن/تؤهل المكاتب الاستشارية من عضوية مجالس إدارات الغرف، فمعظم الاستشاريين الذين يملكون أو ينتمون لهذه «المهن الحرة»، ومن واقع تجربة شخصية، يتمتعون بالنظرة الثاقبة، ويمتلكون الخبرة المتراكمة، ويمكن أن تستفيد مجالس إدارات الغرف كثيرا من وجود مثل هذه النوعيات الاستشارية المتخصصة في صفوفها.
إن المتتبع لمسيرة الغرف السعودية، يلحظ الدور الريادي الذي اضطلعت به في خدمة الاقتصاد الوطني، فقد اتسمت الفترة المنصرمة من عمر الغرف، بتحرك حيوي وفاعل ومتواصل مع مختلف القضايا المطروحة على الساحة الاقتصادية، خدمة للقطاعات بشكل خاص، والمجتمع السعودي بشكل عام. وهنا لابد من الإشادة، وبكل الثناء والتقدير، بالدعم والمؤازرة التي تلقاها الغرف من قبل الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء، والذي كان له أثرا إيجابيا في الدفع قدما بمسيرة الغرف السعودية.
ويمكن القول بأن إنشاء الغرف التجارية السعودية جاء مواكبا لبداية تطور واضح على صعيد التنظيم الإداري والمؤسساتي للكثير من أجهزة الدولة من ناحية، وعلى صعيد تطور الحركة التجارية والصناعية والاستثمارية في المملكة من ناحية أخرى، كما جاء متزامنا مع الازدهار المتنامي والطموح لرجال الأعمال، والذي شهده القطاع الخاص السعودي.
كما يمكن القول بأن الغرف التجارية السعودية قد قامت بدور ملموس جدا في دعم خطط الدولة الخاصة بعدد من القضايا المحورية، التي مثلت توجهات الدولة نحوها خيارات وطنية وإستراتيجية، مثل السعودة، وتوطين الوظائف، وتأهيل العمالة الوطنية وتدريبها، ورفع كفاءتها الإنتاجية.
وحيث إن القيادي الناجح جدا، الدكتور ماجد القصبي - هو المسئول الأول على قمة الهرم الإداري في وزارة التجارة والاستثمار الموقرة، الجهة المشرفة على أعمال الغرف - هو رجل دولة، عايش الغرف عن قرب، أبان عمله أميناً عاما لغرفة جدة، فإن المجتمع الاقتصادي - ومع كل الامتنان لما يقدمه معاليه من دعم ومساندة للغرف التجارية - يطمع في ويطمح إلى، دعم أكبر من معاليه لمسيرة الغرف المستقبلية الطموحة، لتحقق ما يصبو إليه، كل من الغرف والوزارة، من أهداف وطموحات.
وأختم برأي شخصي وهو «أن التحديات التي تفرضها المتغيرات الدولية، تتطلب من مجلس الغرف، ومجالس إدارات الغرف، أن تتوقف للحظات، لتراجع وتقيم أساليب العمل التي تنتهجها، والعمل على ابتكار ما يضفي نظرة ورؤية جديدة على دورها في الحياة الاقتصادية، وإلى ما يتجاوز النظرة التقليدية والضيقة لدور الغرف، ويفتح أمامها أبواباً جديدة وواسعة، لتنمية القطاعات التي تخدمها بشكل خاص، والاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي بشكل عام.