د.دلال بنت مخلد الحربي
(مهمة المؤرخ رسم المشهد التاريخي)، و(على المؤرخ الذي يريد اقتحام فترة زمنية أو حدث يراه مؤثراً أو يريد إعادة كتابة تاريخه تقمص تلك الفترة التي وقع فيها الحدث أو الانتقال بإحساسه ووجدانه إليها، وتلبس أفكارها وظروفها واستحضار شخوصها أمامه، يحدثهم ويتحاور معهم ويتصور أنه يشاهد ما يكتب عنه).
الكلام السابق حقيقي، ومن مارس الكتابة التاريخية بصدق وتفاعل مع ما كتب يدرك أن هذا الكلام صحيح ودقيق.
صاحب العبارتين هو خالد بن سليمان الخويطر، وجاءت في مقدمة مؤلفه: كون الصريف (دراسة شاملة لوقائع معركة الصريف (26 ذي القعدة 1318هـ/ 17 مارس 1901م) وما سجله المؤلف في مقدمة الكتاب طبقه فيه، فعبر صفحات الكتاب وعبر مساره والتي جاءت في 700 صفحة احتلت الدراسة فيها 576 صفحة، وكانت البقية عبارة عن ملاحق توضيحية كان حضور منهج الباحث واضحاً وملموساً.
عمل لا يخالجك شك في مقدار الجهد الذي بذله خالد الخويطر من تتبع المعلومة من مصادر عدة ومناقشة الآراء والتحليل والاستنتاج والوقوف على أرضية بعض الأماكن التي شهدت صناعة حدث أو كانت موقعاً لإقامة أو حرب، وطرح تساؤلات والإجابة عنها.
يقدم الباحث خالد الخويطر من خلال مؤلفه كون الصريف نموذجاً يظهر كيف أن البحث الجاد يؤدي إلى إظهار حقائق كثيرة لم يلتفت إليها أحد، أو لم يكترث بها مع أهميتها في صياغة أحداث لاحقة أو حتى سابقة.
كما أن مناقشة الأحداث على نحو يعين على فهمها في الوقت الراهن أمر مطلوب وهو جزء من تفسير التاريخ، ومن الممكن أن مثل هذا الكتاب يمثل كيف ينتهي العمل العلمي الجاد وإذا أخلص صاحبه في تقديم موضوعه واهتم بتتبعه بين احترام الباحث للقارئ الذي سوف يطالع كتابه هذا.
ولا شك أن هناك دراسات أخرى من هذا النوع، والأمل أن تكون هي السائدة بين الباحثين التي تبرز الحقائق وفق الدراسات التحليلية والاستقصائية.
نحن نحتاج لمثل هذه الدراسات لا الدراسات التي تقوم على السرد والوصف الذي لا يقدم شيئاً، ويمكن الحصول عليها من خلال المصادر الأصلية التي رصدت الموضوع أو الحدث في حينه أو في فترة قريبة منه أو نقلت عن مصدر سابق لها دون تمحيص أو تعليل.