د. محمد عبدالله العوين
قامت القوات الأمريكية الخاصة بمداهمة مقر الخليفة الموهوم أبي بكر البغدادي بعد استكشاف استخباري دقيق مؤكد عن مكان إقامته في ضواحي إدلب.
لسنا معنيين بكيف تم القضاء عليه ولا صفة مداهمته بست طائرات جواً وفرقة إنزال كوماندز أرضاً وقد فصّل الرئيس الأمريكي ترامب ذلك في خطابه الذي أدلى به لوسائل الإعلام مفتخراً بما أنجزته قواته الأمنية ومتهماً البغدادي بالهلع، ووصف بكاءه وصياحه بأنه يدل على شخصية مهزوزة، حيث أقدم على الانتحار بحزام ناسف وفعلت ذلك أيضاً زوجتاه؛ وهو ديدن الجماعات التكفيرية حين تضيق بها الأرض ولا تجد سبيلاً للنجاة فيقتلون أنفسهم بأيديهم خشية الوقوع في أيدي أعدائهم؛ إما خوفاً من التعذيب أو رغبة في الحفاظ على أسرار التنظيم الإرهابي.
نفوق إبراهيم عواد البدري الملَّقب بـ (أبوبكر البغدادي) فجر الأحد الماضي 28 صفر 1441هـ هو انهيار لفكر خوارجي متطرف غير قابل للحياة.
وجد البغدادي في تنظيم (القاعدة) منهج المواجهة العنيفة مع من يختلف معهم بالدم وبالتوحش وتقسيم العالم إلى فسطاطين؛ مسلمين وغير مسلمين،كما هو شأن أسامة بن لادن وأبي مصعب الزرقاوي وأيمن الظواهري وناصر الوحيشي وأنور العولقي وأبي محمد العدناني وحمزة بن لادن وعبد العزيز المقرن وقائمة طويلة تتوالد - مع الأسف - في بقاع مختلفة من عالمنا العربي والإسلامي.
وكما استخدمت أمريكا أسامة بن لادن في مرحلة ما من صراعها مع الاتحاد السوفيتي بعد غزوه أفغانستان ووظَّفته لتجييش الشباب (المجاهد) تحقيقاً لأهدافها في إفشال تمدد السوفييت ثم قتلته بعد أن أدى الغرض منه وأصبح عبئاً ومثير الإرهاب، حيث لا تريد أمريكا أن يمتد الإرهاب إليه؛ ها هو أيضاً العميل الثاني أبو بكر البغدادي يلقى المصير نفسه، فقد استقطب أو غض الطرف عنه حيناً ما لتنفيذ الجزء الأكبر من مخطط (الفوضى الخلاَّقة) التي نادت بها وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن ثم أوباما بعد أن تم القبض عليه وإيداعه سجن (بوكا) جنوب العراق 2004م الذي كان يضم قرابة عشرين ألفاً من تيارات متعدِّدة معارضة الغزو الأمريكي للعراق؛ وأبرزهم التيار الديني الجهادي والتيار البعثي الصدامي الذي تحول كثيرون من المنتسبين إليه إلى الخطاب الديني المتطرف، فقد وجدوا فيه بغيتهم لمجابهة الغزو الأمريكي.
ونقفز عن نقلات سريعة في حياته الصاخبة إلى أن نصل إلى المحطة الأكثر إثارة عام 2014م حين أعلن خلافته المزعومة وأدى خطبة الجمعة في جامع النوري بالموصل بعد أشهر قليلة من اجتياحها في عملية مثيرة للريبة حول الدور المشبوه لنوري المالكي رئيس وزراء العراق آنذاك.
ونتساءل: هل أدى الخليفة الموهوم دوراً كان يجب عليه أن يؤديه في فترة (الفوضى الخلاّقة) بوش الابن وأوباما وهيلاري كلينتون، ثم حين انتهى دوره تمت تصفيته كما فعل مع ابن لادن؟! ربما، ولكن اليقين أنه ومنهجه المتطرف المتوحش كان مأساة كبيرة وجرحاً نازفاً غائراً في جسد الأمة العربية والإسلامية ندعو الله ألا يتخرّج (خليفة) جديد في مدرسته الدامية.