فوزية الجار الله
(إذا تركت في قلبك غصنًا أخضر فلا بد يومًا أن يأتي طائر جميل ليغرد عليه).
يومًا ما قرأت هذا المثل الأجنبي المترجم في أحد الكتب. هذا المثل يشبه إلى حد ما أيضًا مثلاً آخر، قرأته في إحدى الحكايات التي وردت ضمن كتاب الأساطير الشعبية لعبدالكريم الجهيمان - رحمه الله -. يقول المثل (إذا وافقك خير فوافقه). وقد كان ذلك جزءًا من نصيحة والد لابنه.
ولأنها تحمل شيئًا من هذه المعاني في أعماقها فقد وجدت نفسها تحرص دائمًا على ترك إناء صغير، يحوي ماء نقيًّا، خارج النافذة لكائن عابر ظامئ؛ لعله يجد في الماء ارتواء..
اعتادت أن تترك الباب مواربًا لابتسامة أو كلمة جميلة مثلما زهرة عابرة تصافحها بلا ثمن..
كانت لحظة لا تُنسى حين كانت تسير بخطى متسارعة باتجاه بوابة المجمع السكني من الداخل. لمحت سيارة تسير بمحاذاتها، تقودها امرأة شابة، تنظر إليها نظرات متكررة بمنتهى الاهتمام.. حالما وصلت البوابة وجدتها خارجًا. سألتها بالإنجليزية:
هلا تفضلت معي أوصلك إلى حيث تريدين؟
اعتذرت بابتسامة: أنا بانتظار التاكسي؛ لقد طلبته منذ قليل.
** لا بأس، إن لم يكن لديك مانع، فضلاً تعالي معي، وسوف نتصل بالشركة لإبلاغهم بإلغاء المشوار.
ما بين الحيرة والسعادة حدثتها موضحة لها أن العنوان الذي تقصده قريب جدًّا، قد لا يتجاوز عشر دقائق.
قالت: لا بأس، أنا سعيدة جدًّا. أحب أن أقدم خدمة لإنسان أيًّا كان، وإن لم تربط بيني وبينه علاقة. أفعل ذلك بين الفترة والأخرى..
اليوم هو «السبت»، يوم إجازة أسبوعية، لا بد أنها تحاول الحصول على دخل إضافي.. حين استفسرت عما يدور بذهنها.. أجابت بمنتهى اللطف: لا.. لا تقولي ذلك، أنا لا أقبل مالاً.. أفعل ذلك بكل امتنان؛ فأنت من تخدمني لا أنا.. أنا أفعل ذلك كي أؤدي صدقة عن سيارتي.
كانت إجابة مدهشة. تجاذبت معها أطرافًا من الأحاديث. ودعتها بعد أن حرصت على الحصول على عنوانها للتواصل لاحقًا؛ فمثلها تجد في التواصل معه ثراء وجمالاً، قد لا يتكرر بمنتهى السهولة.
***
** (إذا كان الناس يفضلون في بعض الأوقات تذكُّر الأيام الجميلة من الماضي فإن الأيام القاسية يصبح لها جمال من نوع خاص، حتى الصعوبات التي عاشوها تتحول في الذاكرة إلى بطولة غامضة، ولا يصدقون أنهم احتملوا ذلك كله، واستمروا بعد ذلك!) [عبدالرحمن منيف].
** (من يقرأ الماضي بطريقة خاطئة سوف يرى الحاضر والمستقبل بطريقة خاطئة أيضًا؛ ولذلك لا بد أن نعرف ما حصل كي نتجنب وقوع الأخطاء مرة أخرى. ومن الغباء أن يدفع الإنسان ثمن الخطأ الواحد مرتين) [عبدالرحمن منيف].
من رواية (الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى).