رمضان جريدي العنزي
منع الإسلام التسول وذم المتسولين، إلا لحاجة محتمة كالفقر الشديد، أما إذا كان التسول للاستكثار والغنى وزيادة المال فقد حرمه الإسلام وحذر منه، لما فيه أضرار على المجتمع واستغلال الناس، قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، ويرشد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - المتسول بأن يسلك طريق الجد والاجتهاد ليعيش بعيداً عن مد يده إلى أحد من الخلق، فيقول: (لأن يحطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا، فيعطيه أو يمنعه) وقال نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم- عن الذي يتسول ومعه ما يكفيه من المال: (إنه من سأل وعنده ما يغنيه فأنما يستكثر من نار جهنم، قالوا يا رسول الله وما يغنيه قال: ما يغديه أو يعشيه) إن المتسولين يختلفون في أوضاعهم وحالاتهم وطرق تسولهم، فمنهم من يتسول في أماكن العبادة والجوامع، ومنهم من يتسول عند الإشارات وفي الأسواق وفي أنفاق المترو والساحات العامة، ليس بالضروة أن يكون المتسول معدوماً، فبعضهم قد امتهن التسول ليجمع العدد الأكبر من المال، بل عمد بعضهم إلى تأسيس شبكات من النساء والأطفال يلبسهم الملابس المناسبة، ويصنع لهم العاهات الصناعية أو الدائمة، لكن هناك من ابتكر طرقاً جديدة في التسول مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي يسترزق بها بشكل مبطن تحت عناوين مختلفة، وأطروحات شتى، وهو الشديد القوي، والصحيح المعافى، لكنه يلجأ إلى الكسل والخمول، ويفضل العيش على التسول واستعطاف الناس، غير مهتم بإنسانيته ولا كرامته ولا عزة نفسه، مثل هؤلاء يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي بين فينة وأخرى بهندام راقٍ، ومكياج عالٍ، مستخدمين لغة مخلوطة بين الصحيح والركيك، ووفق أساليب شتى، وحيل متكررة، يغلب عليها طابع العاطفة الكاذبة، هؤلاء أخذوا يتنامون بشكل ملحوظ ومطرود، ولا يمكن النجاة منهم إلا بتضافر الجهود من جميع فئات المجتمع، أفراد ومؤسسات وسلطات، كل حسب مسؤولياته، والتنبيه المركز والمكرر على بهت هؤلاء المتسولين الجدد، وكذب أقوالهم، وزيف ادعاءاتهم، إن التسول الإلكتروني من أخطر أساليب التسول، كونه يحمل عبارات استعطافية مستحدثة تشد البسطاء، وفق أسايب ابتكارية جديدة ذات عناوين مختلفة ومتنوعة، للحصول على المال، عبر سرد وقائع وهمية، أو عرض حالة غير حقيقية، والقول بأنهم يعيلون أسرا كبيرة، أو يعانون أمراضاً خطيرة تتطلب نفقات كبيرة، إن استخدام هؤلاء للتقنيات الحديثة للترويج لأعمالهم ومتطلباتهم عن طريق إرسال مقاطع فيديو ورسائل مصورة، إنما هي حيل خادعة فيها مهارة وخيال ودغدغة لمشاعر الناس البسطاء، لكسب المال نهماً وجشعاً وطمعاً، وليعلم هؤلاء المتسولون الإلكترونيون الجدد، بأن المتلقي أصبح ذكياً وحاذقاً ويعرف جيداً قراءة ما بين السطور، والغاية والمبتغى والهدف، وإن تعدد الطرح والموضوع والتنظير، واختلفت طرق التسويق للذات، بتغليف أو من غير تغليف، وليتذكر هؤلاء الذين فقدوا كرامتهم، وأذلوا أنفسهم، وأهانوا ذواتهم، حديث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - (ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم)، وليحيا (المتعففون) بعزة نفس، وكرامة ذات، وسيسوق لهم الله من يساعدهم ويرفع عنهم ثقل الحاجة، دون أن يهدروا ماء وجوههم، ويشوهوا سمعتهم في وسائل التواصل الاجتماعي صوتاً وصورة.