د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
هذا ما كتبته قبل عدة أعوام عن اختبارات القياس ولعلي اليوم أهديه لمعالي وزير التعليم في ظل بروز إمكانية إعادة النظر في هذه الاختبارات المؤثرة في تحديد مستقبل شبابنا. وعدم توافق هذه الاختبارات مع تقويم ثلاث سنوات من التعليم الثانوي لا بد وأن يعكس عدم دقة أحدهما.
ظهرت فكرة القياس في بداية تكوين الفيدرالية الأمريكية للتقريب بين نتائج قبول المدارس الثانوية في الولايات المختلفة، وأطلق عليها «اختبارات القدرات الدراسية» Scholastic Aptitude Test (SAT). ودعم ذلك نظرة تربوية ونفسية استندت إلى أن الفوارق بين الطلاب فوارق وراثية، وبيولوجية. الذكي ذكي بالفطرة ومثله الغبي التي تزامنت مع اختبارات للذكاء تستند لنظرة مشابهة اعتمد عليها لرفض الاختلاط العنصري في المدارس الأمريكية. اليوم ثبت أن للبيئة تأثير كبير على قدرات الأفراد، وذكائهم، بل رفض بعض التربويين وجود مفهوم واحد محدد للذكاء، والقدرات. وأعاد ظهور المدارس الأهلية وتنوعها، وظهور التعليم عن بعد، أو بالمراسلة، أو التعليم المفتوح الخ.. الأهمية لمثل هذه الاختبارات.
أما في المملكة فقد ظهرت فكرة هذه الاختبارات قبل عقد ونيف نتيجة خلاف حاد بين بعض الجامعات السعودية ووزارة التربية والتعليم حول دقة نتائج الثانوية العامة في بعض المدارس الأهلية أو مدارس الأرياف. فتم اقتراح اختبارات للقياس، واقترح إنشاء مركز للقياس الوطني. وأخذ المركز شكله الحالي كمؤسسة وطنية غير ربحية تختبر جميع خريجي الثانوية العامة ولأكثر من مرة إذا لزم الأمر مقابل 100 ريال رسم لكل طالب.
وتعرضت اختبارات القياس في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً لكثير من النقد من تربويين شككوا في مستوى دقتها، أو قيمتها التربوية. وأثبتت دراسات اعتمدت على متابعة سير الدراسة الجامعية للطلاب في الجامعة أن عامل الارتباط Correlation بين نتائج الاختبارات والنجاح في الدراسة، أو تحديد التخصص الجامعي ارتباط ضعيف جداً، هذا إن وجد أصلا. فهناك عوامل أخرى غير علمية، وغير تحصيلية تؤثر على الأداء في هذه الاختبارات كالقدرة على تحمل ضغط الاختبارات stress factor أو مهارات متصلة بالتعامل مع الاختبارات مثل الألفة familiarity أو التدريب training. كما أنها لا تقيس مهارات مهمة أخرى كالتأمل، أو التفكير النقدي، أو القدرة على الكتابة والتعبير.
وتعول جامعاتنا على هذه الاختبارات في القبول وتخصص نسبة 70 % من القبول لها وهي تستغرق مجرد ساعتين أو ثلاث، بينما يخصص للتعليم الثانوي، 3 سنوات من التحصيل، 30 % فقط. وهذا ربما يخلص الجامعات من صداع المفاضلة بين الطلاب وتحديد تخصصاتهم، لكنه قد لا يضمن فعلياً الاختيار الأنسب للمتقدمين في المجالات المختلفة فيها.
يعتمد اختبار القياس على خيارات يتم الاختيار منها بقلم الرصاص وتصحح إلكترونيًا بأجهزة تسمى «قارئات العلامات البصرية» Optical Marks Readers، وهي أجهزة دقيقة التصحيح لكنها لا تضمن دقة مدخلاتها من الأسئلة. وهي رخيصة الثمن نسبياً، وتصحح آلاف الأوراق في وقت قصير وتقدم تقارير إحصائية فورية يستند عليها المختبرون للتعرف على مدى صعوبة وسهولة الأسئلة. وقد زادت المطالبة مؤخراً بإلغاء مثل هذه الأسئلة في الولايات المتحدة الأمريكية عندما أخطأ أحد الأجهزة، نتيجة لخلل فيه في نتائج المختبرين وترتب على ذلك فوضى كبيرة في النتائج لم يتم اكتشافها إلا بعد وقت طويل.
الكلفة الفعلية لتقديم الاختبارات متدنية إذا ما خصمنا كلفة إعداد الأسئلة التي يعاد استخدامها بشكل متكرر. وقد طرح المدعى العام في ولاية «أياوا» في عام 2007م قضية كبرى في محاكم الولاية ضد مؤسسة اختبارات قبول الجامعات الأمريكية ACT Inc، تتعلق بوضعية المؤسسة «غير الربحية» بعد أن قدمت المؤسسة تعويضات ضخمة لمديرها ريتشارد فيرجسون وأعضاء مجلس إدارته. وطالب المدعي العام بتحويلها لمؤسسة ربحية لتسهل مراقبتها.
ومركز القياس الوطني في المملكة يقدم خدماته ليس للتربية والتعليم فقط، بل لكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية التي استحسنت نقل عبء مسئولية المفاضلة بين المتقدمين لها على جهة أخرى قد لا تكون خبيرة بمجال عملها.
علماً ومن واقع التجربة يمكن لأي جهة حكومية أن تنشئ مركز قياس متخصص مصغر فيها. فأجهزة القياس لا تكلف أكثر من خمسين ألف ريال للجهاز، وخمسة آلاف أخرى للطابعة، وبعض المكافآت لواضعي الأسئلة.