كوثر الأربش
الفرق بين المكان المهجور والموحش وبين المكان المأهول المضيء، هو الفرق بين وجه يلقاك مكفهراً وآخر يلقاك بابتسامة.
ويقول العرب «ابتسامة صفراء» وصفًا لتلك البسمة المزيفة، التي تبعث رسائل فاضحة وثقيلة عن عدم الترحيب والانزعاج المبطن. وهي هنا ليست المعنية. إنني أتحدث عن الابتسامات التي تنبعث من وجوه الناس في الرياض، تلك التي تعانقها وأنت تتمشى في مواقع الفعاليات في موسم الرياض.
يمكن تزييف أي شيء إلا الفرح. فهو كالحب، لا يمكن كتمه أو تزييفه. كيف لا يغمرنا شعور بالرضا ونحن نشهد هذا التحول في وجوه الناس. لنكن صادقين، لقد كنا نعيش في مجتمعات ضاغطة، تفرض نمط حياة خانقاً، مُجرِّمة غالبية مظاهر الحياة الطبيعية. كان هذا بفعل الخطاب الديني المتشدد تجاه مظاهر الفرح، وترويج لثقافة الموت والعزوف عن الحياة بطريقة لا تمت للدين بصلة. لقد أرهقوا أجيالاً بتلك الافتراضات والتفسيرات المجانبة لمقاصد الدين السمح. قالوا لنا إننا لابد أن نكون حزينين وكارهين للدنيا، متبرمين وواجمين. وسموا الفرح طول أمل. رغم أن الأحاديث الصحيحة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تحث على الحياة والفرح والتبسم. حينما قال وهو الذي لا ينطق عن الهوى : « تبسُّمك في وجه أخيك صدقة». ولا ننسى بعض العادات الخاطئة التي فرضت علينا الحذر من الآخَر والتخوف منه، وإيصاد وجوهنا في وجهه بعبوس متعمد. كما لو كانت رسالة تعني : ابتعد. إنني لا أبالغ، العادات الخاطئة فعلت هذا، لقد كانت تعزل كل فئة عن فئة أخرى، باعتبارها «الآخر العدو» الذي لابد أن يحذر منه وينبذ.
إن ما حدث في موسم الرياض أكبر من موسيقى وغناء كما يصوره البعض. بل هو تغيير لوجه الحياة نحو السعادة والإيجابية وقبول الآخر. ثم إن تلك اللفتة الرائعة في تخصيص افتتاح ملاهي ونترلاند لليوم الأول، لأبناء شهداء الواجب وذوي الاحتياجات الخاصة، لهي لفتة إنسانية كبرى، لن يفطن لها سوى الإنسانيين الحقيقيين. أليس هذا وحده باعثاً للسعادة؟
أمر آخر لافت : الحفل المخصص للوافدين الهنود والباكستانيين. كان حدث أسعدني شخصياً. ويحمل سمة أخلاقية رفيعة لاحترام جميع الأعراق، باعتبارها الجالية الأكبر عدداً في السعودية. إن هذه الخطوة بمثابة آلية من آليات الدبلوماسية الناعمة التي تسعى لها وزارات الخارجية وهيئات السياحة في العالم.
لنكن فخورين حقًا بما يحدث، وجل ما أخشاه أن يتم اختطاف هذه البسمات الصادقة، من قبل بعض الأقلام التي تسيء للترفيه. وتنفر الناس منه. أو تلك الأقلام الأخرى التي تحسب أنها تدافع عن الترفيه عن طريق شتم الناس واتهامهم وتخوينهم وتخويفهم في حال رفض أحد تصرفاً غير لائق من أحد الزوار، خصوصًا تلك السلوكيات التي لم يعتدها المجتمع. لنكن بحجم هذه التظاهرة الضخمة وأهدافها. لو أحسنا الترويج للترفيه وسبر أهدافه البعيدة. لمنعنا الفريقين من إفساد هذا المشروع الفارق والتاريخي.
دعوا الناس تفرح، وتعبر، وحتى لو انتقدوا فتاة ترقص أو فتى يعربد. الزمن كفيل بتهدئة الأمور وإيضاحها. أما الأفعال الفردية من بعض زوار الموسم، سينتقدها الناس. ولهم حق الانتقاد.
الخلاصة، السعوديات والسعوديون والوافدون والمقيمون. الجميع سعداء، وخير دليل على ذلك امتلاء الساحات والمعارض والمناطق المخصصة، ونفاد التذاكر. ونجاح هذا الموسم سببه الأول توفيق الله ثم دعم وتوجيه القيادة الرشيدة وتفاني معالي المستشار تركي آل الشيخ ومجهودات الشباب والفتيات. ولن يحبط هذا العمل الضخم لا محرض حقود ولا مدافع أهوج بذيء.
وتابعوا الابتسام.. دومًا.