د.عبدالله بن موسى الطاير
لم يكن اليمن سوى الجار الشقيق الأثير، منذ توحيد المملكة وهو يتمتع بهذه المكانة، أئمة اليمن أدركوا ذلك بوضوح، وكانوا يشكلون مواقفهم الخاصة من المملكة العربية السعودية، وعندما تحيط بهم المشكلات يلتجئون إلى نصحها ومشورتها.
الملك عبد العزيز لم يسمح يوماً لأحد بالتدخل في الشأن اليمني، وبذل النصح مخلصاً لملوك اليمن لفتح بلدهم للتعليم والاستثمار والبناء والتنمية. وبعد قيام الثورة اليمنية عام 1962م لم تطلب المملكة من معارضي التدخل الخارجي أن يشكلوا ملكية جديدة وإنما ساعدتهم على تخليص اليمن من التدخل الأجنبي، وتركت لهم خيار تقرير صورة الحكم الذين يريدون. هذه هي شهادة أحد رموز ثورة اليمن الشيخ والشاعر والدبلوماسي أحمد بن محمد الشامي، صهر الإمام.
عندما اختار اليمن نظامه الجمهوري كانت المملكة داعماً لخياره، وساندته جهدها سياسياً ومالياً حتى استقر وازدهر ثم توحد. وكان اليمني يمنح تأشيرة الدخول من المنافذ لمدة أربع سنوات، بدون كفيل، وتمتع بجميع حقوق السعودي. ولما اصطف علي عبد الله صالح إلى جانب صدام حسين في احتلال الكويت عام 1990م لم تزد المملكة على أن ساوت اليمنيين ببقية الأشقاء من العرب والمسلمين في الدخول والعمل في المملكة.
ويشهد تاريخ العلاقة السعودية - اليمنية أن المملكة أعطت بسخاء لليمن، ودعمت طموحاته في التنمية والاستقرار، وأيدت دائما وجود حكومة مركزية قوية تحفظ حقوق اليمنيين وتحافظ على أمن الحدود السعودية الجنوبية. وقد أثمرت هذه العلاقات الأخوية المميزة في توقيع اتفاقية الحدود بين المملكة والجمهورية اليمنية عام 2000م. ولما عصف إعصار الربيع العربي باليمن عام 2011م، وقفت السعودية مع اليمن لتجنيبه الدمار الذي تشهده اليوم دول عربية شتى، وعملت وسعها على تلبية مطالب الشارع الثائر، والمحافظة على وحدة اليمن واستقراره، فكانت المبادرة الخليجية التي أخرجت اليمن من عنق الزجاجة ووضعته على طريق الحوار الوطني، الذي أثمر توافقات كانت قابلة للحياة لولا غدر الحوثيين باليمن واستيلائهم على صنعاء في سبتمبر 2014م، وتقدمهم في كل الاتجاهات بدعم إيراني لاختراق هذا البلد العربي الأصيل.
انطلقت عاصفة الحزم عام 2015م لتؤكد على مكانة اليمن عند السعودية، فقد هرعت بكل قوتها العسكرية والسياسية والمالية لإنقاذ اليمن والاستجابة لاستغاثة الحكومة الشرعية. ليس هناك دولة يمكن أن تدشن حرباً لصالح دولة أخرى إلا إذا كانت تلك الدولة جزءاً أصيلاً من أمنها الوطني. واليمن كذلك للمملكة وستبقى ما دام الجوار الجغرافي.
المملكة أثبتت في غير مناسبة أنها الركن الشديد الذي يأوي إليه اليمنيون عندما تشتد الخطوب، فهي القادرة على لم شملهم، وقطع دابر من تسول له نفسه المساس بأمن اليمن والمملكة. السعودية تفهم لغة اليمن، وتتحسس مشكلاته، وتعرف جيدا طبيعة تركيبته القبلية والمذهبية وتتعامل معها باحترام وشفافية، ولم تتدخل يوماً في تغيير تركيبة الفسيفساء اليمنية الداخلية، فأهل اليمن أحرار فيما يتوافقون عليه. ولكنها في ذات الوقت لن تسمح بتحويل اليمن إلى وكالة لدولة أجنبية تهدد أمن المملكة واستقرارها، وقد أثبتت المملكة أنها الوحيدة القادرة على مداواة جراح اليمن وتخليصه من فيروسات العمالة التي تحاول أن توجد موطئ قدم لمليشيات مسلحة على الحدود السعودية الجنوبية على غرار حزب الله لبنان.
اليوم تعاود المملكة التأكيد على مكانتها الإقليمية وهي تحتضن الاتفاق التاريخي بين الحكومة الشرعية والحراك الجنوبي، وهذا ليس بمستغرب على دولة محورية وقفت إلى جانب اليمن في جميع محنه ، على عكس إيران التي لا تصدر سوى الحروب والفوضى والجهل والفرقة.
لقد تحملت المملكة العربية السعودية وبمساندة من دولة الإمارات ودول التحالف الكثير من أجل اليمن، وعلى الحكومة الشرعية أن تعتبر هذه الاتفاقية فرصة جديدة لتصحيح مسارها، ولن تحقق نتائج فارقة إذا لم توظف أدوات المسؤولية والمحاسبة بشفافية تامة.