د. محمد بن صقر
إن أعظم سؤال يحفز العقل للبحث والتأمل والتبصر والاستكشاف هو ما يبدأ بكلمة «كيف» فعندما نطرح أي تساؤل يبدأ بكلمة كيف نجد أن العقل يحاول استمطار الأفكار وتحليل الواقع للخلوص إلى نتائج معرفية هذا الأمر يقودني إلى سياق متصل فخلال لقائي مع أحد المسؤولين قمت بطرح تساؤل حول مستقبل الجهة التي يعمل فيها فكان التساؤل هو كيف تصنع مستقبل المؤسسة التي تعمل فيها؟ الإجابة لم تكن مقنعة لي بشكل قوي والسبب في ذلك أنه لم يجب عن التساؤل بشكل مباشر فقد ذكر لي بعد مقدمة طويلة عن الجهة التي يعمل بها وتاريخها ومحطات التغيرات التي مرت بالمؤسسة وكيف أنه وضع أمام عينه الاستفادة من التجارب الدولية لصناعة المستقبل!! هنا تقاطعت معه وقلت له اسمح لي أن أبين لك بعض الأمور حول صناعة المستقبل فالصناعة لا تأتي بالاطلاع على التجارب السابقة فقط وإنما تأتي بتحديد الهدف الاستراتيجي الكبير المبني على الاحتياج الفعلي وعلى الرؤية التدرجية التي تريد أن تحققها خلال مراحل وضع الخطط ومن ثم تنظر إلى أفضل الممارسات الدولية التي وصلت إلى ذلك الهدف لأنك بذلك تختصر المسافة ولا تعود إلى تحريك العجلة من جديد, أما إذا كان صناعة المستقبل هو توطين الأفكار والتجارب العالمية بدون هدف تصبو إليه فهذا يعني أنك قمت باستنساخ تجربة لا تأتي ضمن أهدافك الكبيرة ولعلي أطرح مثالا على مثل هذا الموضوع حتى يتبين معنى ذلك فإذا كان هناك مؤسسة معينة قامت باستخدام تقنية أو برنامج جديد عالمي حول التحول الرقمي وأرادت تطبيقها على واقعها وموظفيها بدون بناء قدرات الموظفين وتهيئتهم لاستخدام مثل هذه التقنية فإنها ستصطدم بتحديات كبيرة من شأنها أن تعرقل صناعة مستقبلها وتجعلها تتقدم إلى الوراء خطوات لأنها ببساطة لم تعرف واقعها الأساسي واحتياجاته الأساسية واللبنات الأولى للوصول إلى هدفها المستقبلي, بعد ذلك ذكر هذا المسؤول أن أحد أهم التحديات التي تواجه المسؤولين هو عدم إدراك العاملين والموظفين معه المستقبل وعدم قدرتهم على العطاء مما يحتم عليه استقطاب الأفكار من الخارج, فذكرت له أن صناعة المستقبل تبدأ بصناعة وبناء القدرات وتنمية وبناء الأفكار فالفكرة ليست حبيسة منطقة أو جغرافيا معينة حتى يتم استقطابها واستيرادها لكن متى ما هيئ لها المناخ المناسب ستبدأ بالعطاء والإنتاج والإثمار وتستطيع تصديرها، إن أصحاب الابتكار وصانعي الأفكار يجعلون المستقبل مختلفا، فهميؤثرون على العقليات المحيطة بهم وعلى البيئة التي نشؤوا بها، فلقد كتب داركر كتابا بعنوان the next society بين أن «زرع الابتكار في المؤسسات التقليدية لا ينجح»، وبالتالي سيكون العمل بطرق تقليدية سواء للأفراد أو المؤسسات، حتى وإن كنت مقتنعا بطريقتك، فلن تصبح شركة أو مؤسسة أو فردا مبتكرا ورائدا وصاحب أفكار يمكن الاستفادة منها، فإن لم يكن لديك القدرة على صناعة الأفكار والابتكار والمبادرة فسوف يصبح السؤال أين تجد هذه القدرات، وهل ستتمكن مع فريق العمل الذي يعمل معك أن تكون محركا لأفكارهم وأفعالهم. هذا ما نحتاجه فعلا في وقتنا الراهن مع أبناء وبنات مجتمعنا المليء بالأفكار والمبادرات والابتكار، نريد فقط أن نستمطر هذه الأفكار ونخلق لها بيئة لكي تنمو وتتحرك بين أروقة القطاعات، وألا نعتمد على الأساليب التقليدية أو استيراد التجارب بدون تهيئة حتى وإن كانت ذات منفعة فلا بد أن نقود التغيير، وألا نكون له تابعين، فاليابان وألمانيا والصين وأميركا تتسابق لقيادة العقول من خلال المبادرات والابتكار الذي يجعل المجتمعات تنقاد خلفها.