د. أحمد الفراج
نواصل رحلتنا مع رؤساء أمريكا عبر تاريخها الذي يمتد لأكثر من قرنين من الزمان. والضيف اليوم هو رئيس، كان من المفترض أن يكون قانونيًّا، لا علاقة له بالسياسة، وتحديدًا في المحكمة العليا، التي رفض ترشيحات عدة ليصبح عضوًا فيها؛ وذلك لأن ولعه بالسياسة جعله يفضل العمل السياسي على الحقوقي. ونحن نتحدث عن الرئيس وليام تافت، الذي فاز بالرئاسة عام 1908، بمساعدة من سلفه الرئيس ثيودور روزفلت، الذي يصنف كواحد من أفضل عشرة رؤساء في التاريخ السياسي لأمريكا. والطريف هو أن الرجلين اختلفا؛ فقرر روزفلت حرمان تافت من الفوز بمعركة إعادة الانتخاب، ونجح بذلك. والرئيس تافت ينتمي لأسرة عريقة من ولاية أوهايو؛ فقد كان والده، ألفونسو تافت، وزيرًا للعدل ووزيرًا للحرب، وحرص على أن يتبع ابنه خطاه؛ فالتحق الابن بجامعة ييل، وتخرج منها، وعمل في سلك القضاء قاضيًا للاستئناف وهو في عمر صغير، ثم اختاره الرئيس وليام ميكنلي ليصبح حاكمًا مدنيًّا للفلبين.
بعد ذلك عيّنه الرئيس ثيودور روزفلت حاكمًا لكوبا، وبعدها عينه وزيرًا للحرب، وبعد أن ساعده روزفلت وفاز بالرئاسة عام 1908 صرف الاهتمام الأمريكي من أوروبا إلى آسيا؛ فهو يعرفها جيدًا أثناء عمله حاكمًا للفلبين، وحاول إزاحة النفوذ اللاتيني هناك قدر المستطاع. ولأنه كان محافظًا، على عكس روزفلت، فقد اختلف الرجلان من منطلق أيديولوجي بحت، وأسهم ذلك بخسارته معركة إعادة الانتخاب. وبعد التقاعد، ولأنه قانوني مميز، فقد اختاره الرئيس وارين هاردنق رئيسًا للمحكمة العليا، وهو المكان الذي يظن كثير من المؤرخين أنه كان ملائمًا له أكثر من المجال السياسي. وغني عن القول أن تافت هو الرئيس الوحيد الذي خدم رئيسًا للبلاد ورئيسًا للمحكمة العليا. وبعد وفاته تم دفنه في مقبرة ارلنقتون التاريخية العريقة. ورغم كل ذلك يصنفه المؤرخون والاستطلاعات الشعبية في الوسط، أي ليس ضمن الأفضل ولا الأسوأ. وهذا تصنيف منصف إلى حد كبير!