د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أعلنت وزارة التعليم في الأسبوع الماضي تعديلاً في لائحة تقويم الطالب مضمونه عودة تطبيق الاختبارات التحريرية الختامية في صفوف التعليم العام في مواد دراسية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بعدما كانت القياسات تقويما مستمرًا لأكثر من عقد من الزمن، وقد تزامن ذلك مع ما قامت به هيئة تقويم التعليم والتدريب عندما أعلنت باستباقية لافتة نتائج الاختبارات الوطنية التشخيصية التي طُبّقتْ على بعض الصفوف في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وفي بعض المواد عام 2018 وفي عموم النتائج بدتْ دون الطموحات، ويبدو أن الهيئة بدأت للتو في صياغة دورها الحقيقي لكون الاختبارات الوطنية مقياس عالمي يطبق على مجموعة ممثلة عن الكل كفاحص أمين أثبت نجاحه.. وقد أشار مسؤول في هيئة تقويم التعليم والتدريب في تعليق لافت أيضاً أن تلك النتائج لا يجب أن تمر مرور الكرام!! ولا نعرف من سوف يتحمّل المرور الآخر!؟ إلا أننا نحمدُ له ذلك التعليق ونعتبره دعوة كبرى لقادة وزارة التعليم للخروج لدوائر الوعي التي كان يجب أن تكون مرآتنا أمام أنفسنا وبلادنا والعالم، ووزارة التعليم وهيئة تقويمه تتقاسمان مسؤولية كبرى تجاه إصلاح التعليم نرجو أن لا تضعفها المنابر!! وكما يبدو في عهد وزارة التعليم الحالي أنها تبحث عن التركيز والانتقال إلى النتائج الحقيقية لكونها الدليل الموثوق على أن الطلاب يتعلمون بشكل جيد، ولذلك فإنه لابد أن يكون في المدارس قرار ملزم يحتم على المعلمين اشتقاق نماذج ابتكارية من المحكات التي ترصد حقيقة التحصيل التعليمي؛ وأن تتحول أهداف التعليم إلى مصطلحات تشغيلية؛ وبذلك يصبح المعلمون صُنّاعاً للمعرفة؛ ولديهم استعداد كبير لتحمل مخاطر النتائج إذا ما كانت صادقة وهو الأصوب للإصلاح الشامل.. وكم كان المجتمع يرقب أن تكون الاختبارات التحريرية الختامية من الشروط التشغيلية للمدارس، وصياغاتها واستخلاصها من المحتويات الأعلى؛ ولذلك لابد أن يشمل التشكيل المدرسي مديراً مساعداً للاختبارات ذا معرفة أكاديمية في مجال التقويم وقدرة إدارية داعمة، أو خياراً آخر أن تكون الاختبارات مشروعاً مدرسياً يؤرخ بالعام الدراسي الذي يكون فيه، ويكون للمشروع إستراتيجية تنفيذية واضحة ومعتمدة، وتترك مساحة للابتكار والترقي وحيازة الحصانة المدرسية في المقام الأول.. والأهم أن تكون المحصلة منح الطلاب مفاتيح الأبواب المغلقة، وهي حزمة ذهبية تتصدرها أدوات التفكيراستنطاق المشكلات لاستيلاد الحلول، وتحدي الأنماط البالية، وامتلاك القدرة على مزج المعرفة مع الوعي بحاجات الطلاب في الحياة ليتحقق انفتاح العقل؛ والرغبة في التعلم والاكتساب والانتصار على الضعف؛ وتقدير المعرفة الشاملة؛ ولو تطرقنا للموقف التعليمي للطلاب على وجه العموم، لرأينا أن الطالب اليوم ليس مجبرًا بسلطة النظام ولا سلطة التقويم، وليس مستمتعًا بقيمة علمية ولا محصلة ثقافية حافزة ولا بيئة تعليمية مشرقة؛ فإذا ما باركنا توجه وزارة التعليم نحو إحداث تغيير جذري في عمليات تقويم الطلاب فيلزمنا سعة ومتسع لإدارة ذلك القرار التربوي المفصلي التصحيحي الأهم في حزمة السياسات التعليمية.. وذلك بأن يكون التطوير متعدد الأوجه؛ فنحتاج إلى عمليات تبسيط لصياغات الاختبارات تنطبق على جميع المحتويات والصياغات المرنة للمحافظة على التوازن في صفوف الطلاب؛ والسماح بتعددية الإجابة على القالب الواحد؛ وفي رأيي أنها تعطي شيئاً من حيوية لتحقيق النبوغ! في حين أن التطابق يستجلب الروتين والخمول في التفكير، وحتى نعود للاختبارات الختامية المكتوبة بقوة تناسب واقع الطلاب اليوم؛ فينبغي أولاً مواجهة أُطر العمل التي كانت تنتج قديماً الاختبارات المكتوبة قبل إعلان دفنها في تابوت التقويم المستمر منذ أكثر من عقد من الزمن فنراجع المنهجيات التي هزمتْ الافتراضات التي رُسمتْ للتقويم المستمر كمنطلق تطويري للتفكير الناقد في ذهنية الطلاب.
ويبدو أن مخططي السياسات التعليمية حينما اعتمدوا التقويم المستمر كخيار إستراتيجي لقياس النواتج لم يضعوا تقديراً لمحتوى المنهج وطبيعة المعرفة المعبأة فيه؛ فالطرق المتبعة لإنتاج المعرفة كان يجب أن تؤسس على افتراض القدرات العقلية للطلاب، فالاختبارات الختامية يجب أن تربط بكل جزئيات المحتوى المعرفي المتوفر للطلاب حول الموضوع الواحد؛ فمعرفة الجزء أصدق في قياس القدرات من معرفة الكل وهكذا..!.. والشيء القابل للقياس أكثر سلامة في التعامل معه من الشيء غير الملموس؛ كما أن الاختبارات كادت أن تخلو من القياس التعبيري والموضوعي والشخصي ولعل منصات التطوير المهني تركز في دوراتها على تأهيل المعلمين على تلك المحددات في صناعة الاختبارات الختامية فالاختبارات الأنيقة العميقة المصاغة بفكر حي وبمهارة تلقى قبولاً في أذهان الطلاب! وكم هو مجزٍ أن تستنبط الأسئلة الملأى بالتوقعات. والحقيقة إن التقويم المستمر من الأخطاء المثمرة التي زلزلتْ القناعة بوجوده في مدارسنا، ولم يشكك أحد في خطأ التنفيذ؛ بل شككوا في مصداقية نتائجه؛ «وبينهما أمور مشتبهات».. وقد أحاطتْ بالتقويم المستمر الآراء المضادة؛ وجاء اليوم الذي نأمل بفيض من الصواب في منهجية التقويم ولوائحه لتكون الاختبارات الختامية منقذا للتحصيل.
(وعند الصباح يَحْمَدُ القومُ السُرى).