وإن َتك غالتك المنايا وصرفها
فقد عشت محمود الخلائق والحلم
ما من شك أن فقد الأخيار، وغيابهم عن مجتمعهم الذي أحبهم، أحبوه لمكانته في قلوبهم، ولما يتحلى به من تواضع جم وخلق كريم، واهتمامه بتربية النشء تربية صالحة، كي يصبحوا لبنات قويات في بناء صروح التعليم، وليكونوا قدوة لمن بعدهم من الأجيال المتتابعة، وهذه الصفات الحميدة تذكرنا بما كان عليه الأستاذ المربي محمد (أبو سليمان) -رحمه الله- ففي صباح يوم السبت 20-2-1441هـ هاتفني الأستاذ الكريم الصديق عبدالرحمن بن صالح العليان مدير تعليم محافظة عنيزة -سابقاً- إحدى كبريات مدن القصيم - مُعزياً في صديقه وأنيسه الأستاذ المربي محمد بن سليمان بن محمد الشبل، لعلمه بصادق ودي له ولأمثاله..، الذي غادر الحياة الدنيا يوم السبت 20-2-1441هـ فتأثرت كثيراً لذاك النبأ المحزن لرحيل حبيبنا..، وبعد أداء صلاة الميت عليه ووري جثمانه الطاهر (بمقبرة الرحمة) بمحافظة عنيزة، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور ما بداخل ابنه الوحيد سليمان وهو يكفكف دمعات عينيه انهمالا، دمعات وداع حرى قبل أن يُودَع في اللحد بمضجعه في باطن الأرض، مرددا في خاطره هذا البيت المؤثر الذي كثيراً ما أكرره في مثل هذا المقال، وهو من قصيدة طويلة لوالده الشاعر محمد (أبو سليمان) التي سبق أن نقلتها من صحيفة أم القرى أو صحيفة البلاد عام 1372 - 1373هـ أثناء دراستنا بدار التوحيد في الطائف، وهذا البيت هو واسطة العقد في تلك القصيدة:
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلا الأسى في حنايا القلب يستعرٌ
كان الله في عونه -، وهي موجودة الآن في ديوانه (نداء السحر) -تغمده المولى بواسع رحمته- ولقد ولد في محافظة عنيزة عام 1349هـ وبعد بلوغه السابعة من عمره التحق بالمدرسة الابتدائية الحكومية فتخرج منها عام 1363هـ ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، فنال الشهادة منه بتفوق عام 1369هـ، بعد ذلك التحق بأول كلية في المملكة، وهي كلية الشريعة بمكة المكرمة، فنال الشهادة العالية بها عام 1373هـ، ثم عُين مدرساً في المدرسة الرحمانية الثانوية بمكة المشرفة عام 1374هـ، وبعد مُضي عامين عين مديرا للمدرسة المذكورة حتى عام 1380هـ، ثم انتقل بعدها مديراً للمدرسة العزيزية الثانوية بمكة المكرمة، واستمر بها حوالي ثلاثين عاماً معطرة بالثناء عليه، وبحسن سير العمل بها على مدى ثلث قرن من الزمن تقريباً:
ثلاثون عاماً بل ثلاثون درة
بجيد الليالي ساطعات زواهيا
ولقد تخرج من ذاك الصرح المبارك أفواج عِدة من خيرة الشباب، من أبناء أمراء ووجهاء وغير ذلك من أبناء الوطن، تسنم الكثير منهم مناصب عالية مشرفة، فكل واحد من أبنائه الطلبة يدعو له ويلهج بذكره على حسن إدارته، وتوجيههم التوجيه الأمثل، بحسن التعامل مع الغير ليستفيدوا بها في قابل حياتهم:
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
وبعد حياته العملية المديدة في حقل التربية والتعليم أخُلد للراحة مُتقاعداً عام 1409هـ حميدة أيامه ولياليه، كما نهنئه بطول مكثه مُجاورا لبيت الله الحرام -جعله الله من الذين يؤتون أجرهم مرتين-، وله عدة دواوين منها 1- نداء السحر 2- أزهار وأشواك، كما تم تكريمه مع عدد من الرّواد عام 1430هـ في احتفال كبير، ولنا مع (أبو سليمان) ذكريات جميلة لا تغيب عن خاطري؛ منها الالتقاء به في مدينة الطائف أثناء انعقاد دورة مديري المدارس المتوسطة والثانوية صيف عام 1386هـ برئاسة الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله- على مستوى المملكة لمدة 45 يوماً، وزيارته في منزله بمحافظة عنيزة مع حضورنا بعض الأمسيات الجميلة التي تجمعه برفاقه وأحبته في كثير من الليالي خارج المدينة أمثال الأستاذ عبد الرحمن بن صالح العليان والأستاذ محمد الحمد السليم (أبو سليم) محافظ عنيزة -سابقاً- والأستاذ إبراهيم بن عبدالله الموسى وغيرهم من أحبته هواة السمر خارج منازلهم، وسيطول حزن الأستاذ عبدالرحمن العليان ورفاقه على غياب صديقهم وبعده عن نواظرهم، فأقول مُسليًا لهم بهذا البيت:
وليست عشيات الحمى برواجع عليك
ولكن خلّ عينيك تدمعا إليك
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان، ووحيده ابنه البار سليمان الذي بقي الآن وحيداً ولقد أجاد الشيخ عبدالله بن خميس حيث قال في مثل هذا الحال:
حناناً لكم في ما طويتم جوانحاً
عليه وعطفي يا (وحيد) ورحمتي
** **
- عبد العزيز بن عبدالرحمن الخريف