د. صالح بن سعد اللحيدان
رسم الإمام ابن مالك في (الخلاصة)، الذي اشتُهر بالألفية (ألفية ابن مالك)، وقال عما وصفه من أفعال مقاربة ((كان, كاد, عسى, لكن, ندر.. غير مضارع لهذين خبر )).
ويتبيّن من ذلك أن (كاد وما تلاها أفعال دالة على مقاربة حصول الشيء، ولم أقف على من خالف أنها أفعال إلا ما ذكره غير واحد من النحاة عن (عسى) أنها حرف.
قال ابن عقيل: هي فعل بدليل قبولها تاء الفاعل وأخواتها بها. قال: نحو عسيت ج1/ ص322/ 323.
وأفعال المقاربة يتبيّن منها أنها توحي بقرب ما يكون بعدها.
قلت: وهذا إنما يكون من باب الظاهر للأمر، وإلا فإنها لا تدل على الاقتراب من حيث الواقع الفعلي والجزم بقرب الحصول، وحصوله ليس بذي وجاهة عند التذوق والاستشفاف.
فقد يقال: كاد أن يكون، لكنه لا يكون. ومن قال (بالحصول) فليس بذاك.
وقول ابن عقيل: وتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض. قلت: هذا وجيه. قلت أيضًا: وهو من باب التغليب.
وقول ابن عقيل ذلك لأن عسى وما شابهها كحرى ليست بالمقاربة، كحال: جعل, وأخذ, وطفق, وفعل. بفتح الثلاثة.
لكن إن اقترن بواحد منها قرينة محسوسة فكذلك وإلا فليس كذلك حسب فهمي. ولعل ما يقع فيه الإشكال ورمز إليه ابن عقيل أن (عسى) ليست فعلاً بل هي: حرف (قاله الإمام ثعلب) وابن السراج. ويتبين أن هذا وجيه عند التأمل، لكن هذا الحرف عند ثعلب وابن السراج حرف ثابت، ومَن أدخل التاء إنما هذا من باب تغيير الحرف إلى: الفعل بضابط دلالة الوضع على سبيل الرجاء ليس إلا. وواضح لديّ أن مذهب الكوفيين في (عسى) أنه جيد.
وما أحسن ما وضعه الإمام (محيي الدين العبدالحميد)؛ إذ قال (ومن هذا يتضح لك أن في [عسى] ثلاثة أقوال للنحاة:
الأول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير رفع أو ضمير نصب أو لم يتصل بها واحد منهما... إلخ.
الثاني: أنها حرف في جميع الأحوال... إلخ.
الثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب... إلخ).
ويتضح من هذا أن السماع يعضد أنها حرف، ولكن لا تثريب على من قال إنها: فعل إلا أن هذا يجري حسب موقع عسى من الكلام.
ولست أرى الجزم أنها فعل أو أنها اسم، لكن كل ذلك يعود إلى المراد منها، وما ترمي إليه بخطاب المتكلم أو تدوين المدون.
ولا جرم فإن ابن السراج وثعلب ومَن خالفهما في هذا فإني أرى الخلاف هنا لفظيًّا، وليس معنى؛ لأن الكل يتفق على أن عسى لها دلالتها حسب المقتضى بنسق جيد، يبيّن أنها فعل أو أنها حرف إلا أن الخلاف قد دل على حُسن أخلاق أولئك بعيداً عن التحزب وسوء الألفاظ أو الظهور بمظهر المنظر المجتهد.
وهذه علامة (مرض نفسي)؛ ولهذا لم نجد عندهم سوء خلق أو تعالم أو تجريح، أو نجد عندهم الوصاية على الآخر بوجه من الوجوه.
ومن هذا ظهر التجديد عند كثير منهم كسيبويه - حماد بن سلمه - ابن السراج - ثعلب - الكيسائي - العيني... وسواهم.
فيا ليت نظر هذا يكون بسابقة نظر وعمق متين على ناهضة من خلق قويم في هذا الحين وكل حين.