حوار - محمد هلال:
ابن الأحساء الذي غادرها في سن الثامنة عشرة إلى روسيا لدراسة الطب وكان يحمل معه علبة الألوان، وكان مهووساً بالرسم لدرجة الرسم على جدران البيت إن لم يجد ورقًا، وكان ذلك يغضب الأب ولكن لم يكن يبالي! وعندما تسأله لماذا؟ يقول كان هناك شيء في داخلي يدفعني للرسم، ذلك هو النداء الذي يجعله لا يكمل دراسة الطب رغم تفوقه ويتجه إلى كلية الفنون الجميلة لدراسة الفن، وبعد تخرجه مباشرةً اقتنى أعماله متحف بوشكين، وذلك بسبب أفكار لوحاته الجديدة عليهم والإبداع في طريقة التنفيذ. عاش الفنان العالمي عبد الستار الموسى عشرين عاماً كان نعم السفير لوطنه بفنه الذي عرفه العالم من خلاله.
* الفن موهبة وإحساس وقيم جمالية نأخذها من البيت والبيئة. متى شعر الفنان عبد الستار الموسى بموهبته، وكيف طورها، وهل هناك أشخاص ساعدوه على ذلك؟
ج- نعم ما ذكرته صحيح، كان هناك أشخاص مثل عبد الحميد البقشي وحمد الأمير: حمد الأمير كان يخطط ويرسم وعبد الحميد البقشي كان يرسم بمهارة عالية، وكان هناك مصور فوتوغرافي في الأحساء يعرض لعبد الحميد بعض لوحاته، وشاهدت له رسمة ذئب وأعجبتني كثيرًا بسبب دقة الرسم، فرجعت إلى البيت وحاولت أن أقلدها، فوجدت نفسي أرسم جيداً، فاشتريت ألوانًا وكنت أرسم كثيرًا، وعندما لا أجد ورقًا أرسم على جدران غرف بيتنا، فكان أبي يرفض تلك الممارسة. وفي المرحلة الابتدائية كان يدرس مادة الفن مدرس اسمه حمد النويحل يرسم بالألوان المائية بشكل مبهر، أثر عليَّ أيضًا.
* كيف تطورت الحالة الفنية لديك بعد ذلك؟
- حقيقة أن مستواي لا بأس به وجيد.
* أنت حكمت على نفسك أم هناك من امتدح موهبتك؟
- أنا كنت أرسم وكأن هناك حاجة داخلية تدفعني لذلك وإعجاب الآخرين شجعني أيضًا، وإضافة إلى هذا كنت أتكفل بجميع الأعمال المدرسية من لوحات حائط سواءً كانت تلك الأعمال لمدرستي أو لمدارس أقاربي.
* هل كنت تقرأ في تلك الفترة أم اكتفيت بالرسم؟
- نعم كنت أقرأ كتب سلامة موسى وطه حسين والعقاد وغيرهم.
* هذه النوعية من الكتب ثقيلة جدًا، هل كنت تستوعب ما بداخلها في تلك المرحلة المبكرة من حياتك؟
- في البداية طبعًا هو استمتاع، ولكن أفكار سلامة موسى والجديدة على مجتمعنا القروي تدفعك إلى أن تتأملها، وبعد ذلك تطرحها على الأصدقاء كي تتناقش معهم فيها، وكان من أقرب أصدقائي حسين بوموسى وكان يزودني بأغلب الكتب الأدبية، راضي السبتي، علي بوعلي وكانا متقاربين في السن.
* عملت معارضًا في روسيا، وكيف كان استقبال الروس لوحاتك؟
- بعد تخرجي عملت معرضًا في جمعية الصداقة الروسية العربية، وبعد ذلك شاركت في الكثير من المعارض وحصلت على تقييم من المجلس السوفيتي الأعلى في أوكرانيا، وهو عبارة عن وسام، وأيضاً كنت عضواً في لجان التحكيم التي تقيّم الأعمال الفنية لمدة سنتين وعملت جدارية في مدينة مربونة في أوكرانيا، وذلك في وسط المدينة ولدي أعمال كثيرة في متاحف روسيا، وآخر معرض كان في الرياض وكان معي الفنان الراحل محمد السليم وعبدالحليم رضوى، ومن روسيا كانديسكي وبابروف والجميع متوفون، شاركت لوحاتهم فقط، وكان تأمين لوحة كانديسكي أربعين مليون دولار.
* هل تناول النقاد الروس لوحاتك وكتبوا عن تجربتك؟
- لوحاتي جديدة عليهم لأنها تتناول نمط حياتنا في الشرق مثل العرس، والنقاب، والخيل، وقهوة بونصير، لذلك كانت المتاحف تتهافت على اقتنائها، وكفنان لدي القدرة على الرسم كأي فنان روسي ولكن المختلف والمميز هو اختياري لمواضيع من بيئتي السعودية والاشتغال عليها بكل إخلاص هو من جعل مني فنانًا له قيمته بين فناني روسيا.
* هل كونت صداقات مع مثقفين روس؟
- عندي أصدقاء مسرحيون وكتاب وفنانون وبالإضافة إلى فترة الدراسة الجامعية كان السكن مقسمًا إلى قسمين ويتكون من اثني عشر دورًا، كانت الثلاثة الأدوار الأخيرة مخصصة لسكن طلاب معهد فختانجفا للتمثيل المسرحى، وكان هناك فنانون وكتاب يأتون ونتحاور معهم وتكون هناك ندوات ثقافية، فمثلاً كان يحضر الممثل الراحل والمغني المشهور فيسوتسكي. وبعد انتقالي إلى مدينة ماريوبول كنا مجموعة الأصدقاء نجتمع في مبنى يضم اثنتين وعشرين غرفة وهي عبارة عن مرسم لكل فنان.
* في أي عام كان ذهابك إلى روسيا، وكيف كانت الدراسة الجامعية؟
- تخرجت من الثانوية عام 1974 م وفي العام نفسه سافرت إلى روسيا للدراسة بسبب تفوقي وعلاماتي المرتفعة، فأنا كنت العاشر على مستوى طلاب الثانوية بالمملكة، دخلت كلية الطب ولكني لم أستمر بسبب انبهاري بالفن هناك وزيارتي للمعارض والمتاحف في موسكو ورغبتي بالفن، انتقلت إلى جامعة موسكو ودرست اللغة لمدة ثلاثة أشهر لأن هناك مصطلحات فنية أكاديمية ونبذ مختصرة عن الفنون يجب معرفتها قبل الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وكان الدخول لها صعبًا بسبب أن كل من يلتحق بكلية الفنون لديه دبلوم أحمر، يعني أشخاصًا متفوقين بامتياز ولا يقبل من ليس لديه أساسيات الفن لأنهم يدرسون الفن والرسم في مدارس خاصة من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، لذلك عانيت في القبول وكما عانيت بالدراسة في أول سنتين دراسيتين بسبب تدني مستواي الدراسي، ولكن في السنة الثالثة دخلت تحديًا مع نفسي كي أكون في مستوى الفنانين الروس وبدأت علاماتي ترتفع وأصبحت من المتفوقين، وكان قسمي يسمى ستانكفى اجرافكا أي (التكوين)، فكانت كل أعمالي تنم عن موهبة ومقدرة، والقسم الذي كنت أدرس فيه متخصص في الأبيض والأسود وأنا حياتي كلها أبيض وأسود، فالرجال في السعودية يرتدون الثوب الأبيض والنساء العباءة السوداء فكنت أضع حدود وتكوين جيد للأبيض والأسود، وبعد تخرجي أقتنى متحف بوشكين سبعة من أعمالي، وهذا لا يحدث دائمًا إلا إذا كانت الأعمال تستحق فعلاً، وقد حصلت على امتياز مع مرتبة الشرف.
* يمكن الحديث عن لقائك بشريكة حياتك، متى بدأ وكيف تطور إلى أن أصبح زواجًا؟
- بالنسبة إلى لقائي مع زوجتي حدث بعد مرور سنة من بدء دراستي في كلية الفنون الجميلة، وكان ذلك عام 1976م، كنت خارجًا من سكن الطلاب ذاهبًا إلى مبنى الكلية، وهي مسافة قصيرة جدًا، شاهدت فتاة تحمل على كتفها مجموعة من الأعمال الفنية المربوطة وفي يدها حقيبة متوسطة الحجم وتتوقف كثيرًا بسبب ثقل الحمل، وهي فتاة ضعيفة البنية ولكنها كانت جميلة، عبرت الشارع وطلبت منها أن أساعدها فرفضت في بداية الأمر ولكن مع إلحاحي قبلت ذلك وحملت ما في يديها وتوجهنا إلى سكن الطلاب وهو مشترك ولم أغادر المبنى إلا بعد أن عرفت في أي غرفة تسكن، وفي اليوم الثاني كنت أبحث عنها لا أعلم لماذا ولكن رغبتى في لقائها والحديث معها كان شديدًا فذهبت إلى مطعم الكلية أنتظر قدومها وأنا أشرب عصير البرتقال ومرَّ عليَّ أكثر من نصف طلاب الكلية وبعد ذلك شاهدتها في طابور المطعم في انتظار دورها كي تأخذ الأكل فقفزت من مكاني وفي لحظات كنت أقف خلفها، سلمت عليها وكانت لطيفة معي وأخذنا الأكل وجلسنا على طاولة واحدة، حاولت الحديث معها ولكنها قالت: لو سمحت أرغب أن أكون لوحدي! ولم أيأس وكنت أحاول ملاطفتها لأنها بصراحة كانت تأسرني بجمالها، وبعد ستة أشهر من المطاردة والإلحاح بأن نكون صديقين وافقت أن تخرج معي إلى السينما ولم أكن أخطط للزواج منها ولكنها قالت لي توقف لا يمكن أن يحدث شيء بيننا دون زواج فوافقت على الفور، وبعد أيام دعتني إلى غرفتها وتفاجأت بذلك الرجل الضخم الجثة والطويل القامه لتعرفني عليه وتقول هذا أبي، فسألني أسئلة عدة وكان يملك معلومات عن السعودية أكثر منى، وبعد ذلك بارك زواجنا وأقمنا حفل زواج شارك فيه مدرسو وطلاب الكلية، وأنا سعيد بها، وبعد مرور أكثر من 41 عامًا على زواجنا لا تزال هي الحب الأول لي.
* تم اختيارك في لجان تقييم الأعمال الفنية، على أي أساس تم الاختيار؟
- كان لي مكانة جيدة وسمعة طيبة وكنت أشارك في كل المعارض والمناسبات الفنية وأحضر معارض الفنانين الآخرين وكان وجودي وحضوري له دور كبيرًا بسبب أني أقول رأيي في اللوحات المعروضة بكل صراحة وأنتقد بشكل مقنع، وعلى هذا الأساس دُعيت للدخول في لجنة اختيار الأعمال، وهي لجنة تختار الأعمال المشاركة في المعارض، وطبعًا هذه اللجنة لا يتم اختياره إلا الفنانين الكبار الذين لهم مكانتهم وأعمالهم موجودة في المتاحف، فتم اختياري لمدة سنتين متتاليتين بعد ذلك مُنِحتُ وسامًا من فرع مجلس السوفيات الأعلى في أوكرانيا لمدينة ماريوبول.
* هل يمكن الحديث عن الجداريات التي عملتها في مدينة ماريوبول والزمن المستغرق لإتمامها؟ وما المواد المستخدمة، وهل أي فنان في إمكانه عمل جدارية أم تحتاج إلى فنان ذي مواصفات خاصة؟
- بالنسبة للأعمال الجدارية لا بد أن يكون الفنان دارسًا في قسم النحت أو قسم التكوين، يعني يجب أن يكون دارسًا لمفهوم فن المنومين، أي كيفية عمل النصب التذكارية الكبيرة، وقادر على السيطرة على العمل الفني ذي المسطحات الكبيرة، لماذا لأنه فيه تجسيد وبروز يعني نوعًا من النحت وقد يكون دون بروز وهنا تكمن صعوبة الجداريات، بالنسبة لي طبعًا درست ذلك في الكلية، أعمالي أنا أيضًا في الستانكفيا جرافيكا كان هو عبارة عن نحت على الكرتون، ومطلوب منك كفنان من خلال الصفحة السطحة أن تجسد اللونين بطريقة ثلاثية الأبعاد، وهو ما درسته وبرعت فيه، بالإضافة إلى أن الجداريات تمثل وجهًا سياحيًا للمدينة، لذلك هناك لجنة يسند لها اختيار الفنان، وهذا شرف لا يضاهيه شرف لأنك كفنان تخلد من خلال ذلك العمل ويبقى اسمك، والحمد الله أني حظيت بشرف رسم أكثر من جدارية في مدينة مريوبل التي كنت أسكن بها، تنفيذ العمل يجب أن يكون سريعًا ودقيقًا وهو عبارة عن طبقات من الإسمنت الملون، طبعًا يستخدم الإسمنت الأبيض ويضاف إليه البجمنت وهو خلاصة اللون يخلط مع الإسمنت، وبعد ذلك يوضع على الجدار (ليس) بسمك 2 سانتي أو 3 سانتي، ويجب بشكل سريع أن ينزع من على الجدارية حسب خطوط الطبقات الفنية المرسومة والمساحة التي نفذتها كانت ستة أمتار في ستة أمتار، والجداريات قد تكون أكبر أو أصغر.