زكية إبراهيم الحجي
على مدار التاريخ الحديث وكثير من حقب التاريخ القديم كان الفقر والعيش بكرامة ولا زال هو بيت القصيد في جميع المناقشات السياسية والحوارات المحتدمة في الدول التي تعيش شعوبها مضض العيش.. وقلة الحيلة للحصول على أبسط حقوقها الاجتماعية والإنسانية ما أثمر شعوراً بخيبة أمل ٍمريرة عانى منها جيل بعد جيل ومع رحيل كل جيل تُدفن أحلامه وطموحاته معه ليبقى ظلُّ تلك الأحلام والأماني وكل الطموحات المدفونة صورة متوارثة جيلاً بعد جيل.
وكما أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الخلف.. فإن السعي للوقوف في وجه حركة التاريخ لن يؤدي إلا على تأخير مسار التحولات والتغيير إلى الأفضل في أوطان تعيش مجتمعاتها تحت إمرة سلطة وأنظمة تبني ثرواتها من أموال مسلوبة من جبين عرق شعوب تكدح لتوفير لقمة العيش وتحقيق حياة هانئة لأبنائها.. سلطة غير آبهة بأبسط حقوق شعوبها من تعليم وصحة وكهرباء وإشباع لأهم احتياجاتهم الأساسية.. لقد برهنت حكومات الأنظمة التي استمرأت على شعوبها على تعصبها المتجذر في استمرار فرض القيود على حقوق شعوبهم لدرجة أن هذه الشعوب فقدت الصبر والتحمل نتيجة تراكم خيبات الأمل لسنين.. والتراكم يولد الانفجار من شرارة صغيرة.
لنعود بالذاكرة إلى التاريخ المشهود ديسمبر من عام 2010 ، حيث انطلقت ثورة الياسمين التونسية.. ففي تصرف يائسٍ احتجاجاً على ما واجهه أقدم بائع الخضار المتجول «بوعزيزي» إلى حرق نفسه.. هذا الرجل لا علاقة له بسياسة أو طالب بحقوق أو تعدى على ممتلكات، بل كان مطلبه الوحيد «دعوني أبيع كي أعيش» فمنعوه فأحرق نفسه.
حادثة فردية وتلقائية أشعلت ثورة الياسمين.. اليوم تتكرر صورة مماثلة في «لبنان» ضريبة «واتساب» فُرضت على الشعب اللبناني الذي عانى بصمت منذ عقود ولا زال محتقناً إلى اليوم بسبب سوء السياسات والفشل في تطوير حياته وحشره في زاوية فقدان الأمل.. جاءت ضريبة الواتساب كالقشة التي قصمت ظهر البعير وكانت نقطة التحول في تاريخ لبنان بعد سنين من الإحباط.
احتجاجات غير مسبوقة غيرت قواعد اللعبة في لبنان.. احتجاجات طالت كل المساحة الجغرافية اللبنانية الذي مزقته الطائفية.. واستعراض موحد نادر ومدهش رافعين علم لبنان ومرددين بصوت واحد «الشعب يريد إسقاط النظام كبينا الطائفية ورانا».
ومع إطلالة كل صباح تتواصل الاحتجاجات وتموج جميع مناطق لبنان بالمحتجين وتتحول شوارع لبنان وميادينه قبلة تجذب كافة الفئات ومختلف الطوائف لتوصل صوتها إلى من يعتلون كراسي الحكم «كلكن..كلكن ونصر الله واحد منكن».