أ.د.عثمان بن صالح العامر
تعليمنا -كما هو معلوم- قائم في الأساس على الفردية المطلقة سواء منه العام أو العالي، بل حتى ما قبل المرحلة الابتدائية وما بعد الجامعية هما كذلك يعتمدان على الذهنية الفردية: الصحي منه والطبيعي والهندسي والإداري والشرعي والإنساني، ولذلك غالباً ما يصطدم بناء الفرق العلمية والمجاميع البحثية بمعوقات نفسية منذ البداية، وتحديات تنفيذية حين الشروع بالعمل الفعلي على افتراض أنه حظي بموافقة رسمية ونال دعماً مادياً ومعنوياً من قبل صانع القرار، وهذه نتيجة متوقعة جراء التربية العلمية الفردية التي جعلت التفكير في ظل الفريق نادر الحدوث، بل على العكس المنافسة الشديدة هي السائدة والمعوّل عليها في التعليم. ولذا حين يتم تكوين فريق بحثي في تعليمنا العالي مثلاً ينبري -غالبا- لإنجاز العمل كله أو جله أحد أفراد الفريق، والبقية يلعبون دور المستشارين أو تكون مشاركتهم محدودة في ظل تخصصهم الدقيق، أو أنهم في أحسن الأحوال يتوزعون المهام بشكل عادل ولا يجتمع الكل في مكان واحد ويتحاورون ويتناقشون ويحلّلون ويقارنون وينتقدون ومن ثم ينجزون عملاً جديداً بعقلية المجموع لا الفرد.
إن فكرة التفكير الجمعي طريقة في التعليم معروفة ومطبّقة بشكل واسع في تعليم عدد من الدول الآسيوية -على وجه الخصوص- وطبّقته بعض مدارسنا العالمية الخاصة ردحاً من الزمن ثم صرفت النظر عنه أو أنها قلّلت الاعتماد عليه لأن نظام الامتحانات لدينا يفرض الفردية والتنافسية كما لا يخفى، وميزة التدريس بهذه الطريقة استفادة الطلاب والطالبات بعضهم من بعض، ومساعدة الضعيف في رفع مستواه الإدراكي، وشعور الكل بالمشاركة الفعلية في إيجاد حلول مبتكرة للمسائل الرياضية الصعبة على وجه الخصوص، وغرس روح التعاون بين الطلاب، وإيجاد الألفة العلمية في البيئة التعليمية وهذا كله يصب في النهاية في خانة المصلحة الوطنية، وهذا لا يعني إلغاء الفردية التعليمية ولكن ليكن لنا تجربة الدمج بين هاتين الطريقتين حتى نظفر بمزايا العقلين معاً، أضع هذا الاقتراح بين يدي معالي وزيرنا المبجل الحريص كل الحرص على التطوير الحقيقي للتعليم الوطني والمرحب بكل أريحية وسعة صدر بما يُكتب ويُقال من اقتراحات وأفكار ومبادرات وطنية تهدف إلى الصالح العام وتنشد المشاركة في إسراع عجلة التغيير الإيجابي لمستقبل تعليمي رائد ومتميز، ودمت عزيزاً يا وطني، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.